عالم المصريات خالد العناني أول مدير عربي يقود اليونسكو – DW – 2025/10/6

اختار المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) اليوم الإثنين (السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2025) المصري خالد العناني مديرا عاما جديدا للمنظمة، ليتولى خلال السنوات الأربع المقبلة قيادة مؤسسة تواجه اتهامات بالتسييس واضطرابات ناجمة عن إعلان الولايات المتحدة انسحابها منها.
والعناني، البالغ 54 عاما، شغل سابقا منصب وزير السياحة والآثار، وهو عالم مصريات نال 55 صوتا من أصل 57، متفوقا بفارق كبير على منافسه الكونغولي فيرمين إدوار ماتوكو، وهو أكبر عدد أصوات يحصل عليه مرشح لهذا المنصب في انتخابات تنافسية منذ تأسيس منظمة اليونسكو عام 1945.
وسيصادق المؤتمر العام لليونسكو رسميا على تعيينه في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2025 خلال اجتماعه في سمرقند بأوزبكستان، وهو إجراء شكلي عادة، إذ لم يسبق أن خالف المؤتمر قرار المجلس التنفيذي.
وسيصبح العناني، الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة والحاصل على شهادة في علم المصريات من جامعة مونبيلييه، أول مدير عام لليونسكو من دولة عربية، وثاني أفريقي بعد السنغالي أمادو محتار مبو (1974-1987).
تقديم “منظور جديد” لمنظمة اليونسكو
وفي كلمته أمام المجلس التنفيذي اليوم الإثنين، تعهد العناني العمل “يدا بيد مع جميع الدول الأعضاء لوضع خريطة طريق مشتركة لتحديث اليونسكو ودفعها نحو المستقبل”. وفي حملته التي أطلقها عام 2023، وعد العناني، في مواجهة منافسه الكونغولي الذي استند إلى خبرة عمرها 35 عاما داخل المنظمة، بتقديم “منظور جديد” في المنظمة، وأن يستثمر فيها الخبرة التي اكتسبها من مسيرة مهنية كان دائم التعاون خلالها مع اليونسكو “ميدانيا”، باحثا في علم المصريات، ومديرَ متحف، ثم وزيرا، سعيا إلى تعزيز حضور المنظمة وجَعلِ “تأثيرها أكبر”.
أداء وزاري حظي بإشادة واسعة
حظي أداؤه الوزاري بإشادة واسعة خلال فترة عصيبة لقطاع السياحة والآثار، أحد أعمدة الاقتصاد المصري، والذي تضرر جراء الهجمات الدامية التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية عامي 2017 و2018، ثم بفعل جائحة كوفيد-19 عام 2020. وأشرف العناني أيضا على إنشاء المتحف القومي للحضارة المصرية، الذي أصبح منذ عام 2021 موطنا لعدد من المومياوات الملكية بينها مومياء رمسيس الثاني.
أضرار مقابر القاهرة التاريخية وعمليات إجلاء للفقراء
لكن العناني واجه انتقادات في الداخل المصري من دعاة الحفاظ على التراث الذين اتهموا وزارته بالفشل في حماية المواقع التراثية الحساسة في القاهرة وشبه جزيرة سيناء.
وارتبط اسمه كذلك بجدل واسع في عام 2020 إثر الأضرار التي لحقت بمقابر القاهرة التاريخية نتيجة مشاريع تطوير عمراني. وقد أثارت عمليات إجلاء السكان الفقراء ونقل رفات من الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، انتقادات حادة لناشطين ومهتمين بالتراث.
وردت حينها وزارة الآثار برئاسة العناني بأنها “لم تقم بأي تدمير لآثار تاريخية”، مؤكدة أن الأعمال شملت “مدافن معاصرة فقط”.
تراجع دور اليونسكو كمرجعية ثقافية وعلمية مستقلة؟
واليونسكو -التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز السلام من خلال التعاون الدولي في مجالات التعليم والعلوم والثقافة- تشتهر بتصنيف المواقع الأثرية والتراثية وحمايتها، بدءا من جزر غالاباغوس إلى مقابر تمبكتو.
ويتولى العناني قيادة منظمة تمر بمرحلة إعادة تقييم عميقة، بعدما وُجهت إليها في الأشهر الأخيرة اتهامات بأنها “مسيسة” وتراجع دورها كمرجعية ثقافية وعلمية مستقلة. فبعد خروج إسرائيل من المنظمة عام 2017، شهدت السنة الجارية انسحابين، أحدهما أعلنته نيكاراغوا في مايو/أيار 2025 بعد مَنح جائزة لصحيفة معارضة فيها، والآخر، وهو الأبرز، أعلنته الولايات المتحدة رسميا في يوليو/تموز 2025، إذ اتهمت إدارة ترامب المنظمة بالتحيز ضد إسرائيل، والترويج “لقضايا اجتماعية وثقافية مثيرة للانقسام”، وتأييد “خريطة طريق أيديولوجية تؤمن بالعالمية” المتعارضة مع سياستها القائمة على مفهوم “أمريكا أولا”.
ويحرم انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو جزءا كبيرا من مواردها المالية، إذ توفر واشنطن 8 في المئة من إجمالي موازنة المنظمة. لكن هذه الخطوة تؤثر سلبا كذلك على مكانتها. ووعد العناني بالعمل على إعادة الولايات المتحدة إلى المنظمة، وهو ما نجحت أودري أزولاي في تحقيقه عام 2023، بعد ست سنوات من قرار ترامب الأول سحب بلده منها.
تعزيز القاعدة المالية لليونسكو
وعلى الرغم من عمل أودري أزولاي المديرة العامة المنتهية ولايتها على تنويع مصادر التمويل فإن اليونسكو لا تزال تتلقى نحو ثمانية بالمئة من موازنتها من واشنطن. وبمجرد دخول انسحاب واشنطن حيز التنفيذ في أواخر 2026، سينقطع ذلك التمويل.
ووصف البيت الأبيض اليونسكو بأنها داعمة “لقضايا ثقافية واجتماعية مثيرة للانقسام” حينما قرر ترامب سحب الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2025، مكررا تحركا اتخذه في ولايته الأولى وألغاه جو بايدن. وأكملت الفرنسية أزولاي الحد الأقصى لولايتين مدة كل منهما أربع سنوات.
وفي ظل غياب التمويل الأمريكي وتراجُع التمويل من الدول الأوروبية التي تعطي الأولوية لإنفاقها على الأسلحة والدفاع، يعتزم خالد العناني تعزيز القاعدة المالية لليونسكو عبر وسيلتين، أولاهما جذب مزيد من المساهمات الطوعية من الحكومات بطرق أبرزها نظام “مبادلة الديون”، والثانية من خلال الاستفادة من موارد القطاع الخاص (المؤسسات، والجهات الراعية، والشركات، وغيرها).
ولاحظ أن “موارد هذا القطاع كانت تشكل 8 في المئة من الموازنة في عام 2024، وثمة مجال لزيادته”. وأضاف “أريد أن أبين أن لليونسكو تأثيرا ملموسا على حياة الناس. فاليونسكو لا تُعنَى فقط بالتراث الثقافي، بل تُعنَى أيضا بالتعليم في مناطق الطوارئ، وحماية الصحفيين وحريتهم، ومكانة المرأة في العلوم…”.
احتفاء رسمي مصري
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بيان “أتمنى للدكتور خالد العناني التوفيق في أداء مهمته النبيلة”. وسيتسلم العناني رسميا مهماته في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، خلفا للفرنسية أودري أزولاي التي تولت المنصب منذ عام 2017.
وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في باريس الأسبوع الماضي “كيف يمكن لبلد مثل مصر، بتاريخها العريق، بطبقات الحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والعربية والإسلامية، ألا تقود هذه المنظمة المهمة؟ هذا أمر غير مقبول على الإطلاق”.
واليوم، قال عبد العاطي إن انتخاب العناني لهذا المنصب الرفيع يعد احتفاء بإسهامات مصر والعالمين العربي والأفريقي الثقافية والحضارية والفكرية على مدار آلاف السنين.
وأعرب عبد العاطي عن التقدير لجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، وكل الدول التي منحت مصر ثقتها وقامت بتأييد المرشح المصرى، ومشيرا إلى المسؤولية التي تقع على عاتق مصر نتيجة هذه الثقة، داعيا جميع دول المنظمة لتعزيز العمل المشترك نحو مستقبل يحمي التراث ويسهم في نشر العلم ويعزز السلام والتعايش والتسامح بين الحضارات المختلفة.
تحرير: صلاح شرارة
Source link