أخبار العالم

كيف تبدو العلاقات الألمانية الفرنسية في ظل الأزمة الحكومية؟ – DW – 2025/10/11

بعد أقل من أربعة أسابيع في منصبه وحتى قبل تشكيل الحكومة، استقال رئيس الوزراء سيباستيان لوكونو، ليصبح ثالث رئيس وزراء يستسلم أمام الانقاسمات السياسية الحادة في الجمعية الوطنية، ويعيد البلاد إلى المربع الأول من أزمة تعد من  أخطر الأزمات السياسية التي واجهتها فرنسا منذ عقود دون وجود أي مؤشر لانفراجة قريبة. ولا تبدو محاولة لوكونو في تشكيل الحكومة ستنجح، يقول عدد من المتابعين للشأن الفرنسي.

ماكرون في موقف حرج

أمام كل ما يحدث في فرنسا، تبدو  الحكومة الألمانية في برلين هادئة نسبيا. “أود أن أحذر من المبالغة في الدراماتيكية في هذه المرحلة”، كتب غونتر كريشباوم، وزير الدولة للشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية لـ DW. “تظل الصداقة الألمانية الفرنسية ثابتة وموثوقة في أوروبا. تجري مشاورات وثيقة بين السياسيين والسلطات في بلدينا على جميع مستويات التعاون الحكومي والوضع الحالي لا يغير شيئًا في ذلك”.

استقال سيباستيان لوكونو وشكا من عدم مرونة الأحزاب في الجمعية الوطنية
استقال سيباستيان لوكونو وشكا من عدم مرونة الأحزاب في الجمعية الوطنيةصورة من: Thomas Samson/AFP

بغض النظر عن  الاضطرابات السياسية في باريس ، إلا أن التعاون المشترك بين المستشار فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيبقى “تابثا”. فالسياسة الخارجية من صلاحيات رئيس الجمهورية. وماكرون ليس موضع نقاش في الأزمة الحكومية الحالية، على الأقل ظاهريا.

تنتهي ولاية ماكرون رسميا في عام 2027 ولا يوجد ما يشير إلى عزمه التخلى عن منصبه قبل ذلك الموعد. إلا أن موقفه أصبح اليوم ضعيفا للغاية، في ظل مطالبات بالإستقالة من قبل أحزاب المعارضة اليسارية واليمينية  ، بل وحتى من قبل إدوارد فيليب، الذي سبق وأن عينه ماكرون رئيسا للحكومة. وحسب استطلاع رأي أُجري في نهاية سبتمبر/ أيلول اعتبر 78 من المائة من الفرنسيين ماكرون “رئيسا سيئا”.

التعاون الألماني الفرنسي

لطالما دعا ماكرون إلى أوروبا ذات سيادة قادرة على مواجهة كل من  روسيا بقيادة بوتين والولايات المتحدة بقيادة ترامب بثقة. إلا أن نفوذه اليوم في تراجع.

يقول ستيفان سايدندورف، نائب مدير المعهد الألماني الفرنسي في لودفيغسبورغ، لـ DW  إنه “من الواضح أن ماكرون لم يعد يتمتع بنفس القوة التي كان يتمتع بها في عام 2017 عندما تولى منصبه”. “ومع ذلك تظل فرنسا لاعبا مهما للغاية على المستوى الأوروبي” حتى لو كان زعماء الحكومات الأوروبية الآخرون يذكرونه “بأنه لا يتمتع بأغلبية برلمانية وليس لديه حكومة وأن ميزانية بلاده خارجة عن السيطرة”.

بعد أن تولى منصب المستشارية، سعى فريدريش ميرتس إلى إعادة إحياء الشراكة الوثيقة مع ماكرون، رغم أن العلاقة بين الاثنين لم تكن بذات القدر من التناغم، كما كان عليه الأمر مع سلفه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس. 

حتى الآن نموذج واحد فقط: الطائرة المقاتلة الألمانية الفرنسية المخطط لها من الجيل التالي
حتى الآن نموذج واحد فقط: الطائرة المقاتلة الألمانية الفرنسية المخطط لها من الجيل التاليصورة من: Geoffroy Van der Hasselt/AFP/Getty Images

وقد قامت الحكومتان مؤخرا خلال اجتماع مشترك لمجلس الوزراء في تولون بوضع قائمة من المشاريع المشتركة بدءاً من التنسيق الوثيق في سياسة الطاقة مرورا بتعزيز الذكاء الاصطناعي، ووصولا إلى تحسين فرص التمويل للشركات الناشئة. ولا تزال هذه الخطط سارية. لكن ستيفان سايدندورف يقول إن “المشاريع التي تعتمد بشكل خاص على الدعم السياسي أو الضغط السياسي تفتقر الآن بطبيعة الحال إلى هكذا دعم”. وينطبق ذلك على سبيل المثال على الطائرة المقاتلة المشتركة المخطط لها والتي واجهت مؤخرا مشاكل كبيرة.

شبح الديون 

في ضوء ارتفاع الدين العام في فرنسا إلى حوالي 115 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وعجز يبلغ 5.8 في المائة، باتت البلاد مجبرة على خفض الإنفاق العام بشكل كبير في العام المقبل بغض النظر عن الحكومة التي ستتولى الحكم. 

ومع ذلك لا يرى غونتر كريشباوم من وزارة الخارجية أن هذا يمثل مشكلة بالنسبة لمنطقة اليورو. “فرنسا بلد قوي. على عكس اقتصادنا شهد الاقتصاد الفرنسي نموا في السنوات الثلاث الماضية. كما أن منطقة اليورو ككل أصبحت أكثر مرونة من أي وقت مضى بفضل الأدوات التي تم تطويرها في السنوات الأخيرة”.

في ألمانيا تبدو نسب الديون والعجز حتى الآن أفضل بكثير ولكن بسبب الديون الجديدة الضخمة سيتعين على ألمانيا دفع فوائد أكثر بكثير في المستقبل. ويقوم المستشار الألماني ميرتس بالفعل بإعداد السكان لتدابير تقشفية مؤلمة و”مزيد من العمل”.

تقلص الوسط السياسي

إلى ذلك تتزايد الضغوط في كلا البلدين من قبل  الأحزاب اليمينية المتطرفة. وفي استطلاع أجري مؤخرا في فرنسا حول أكثر الشخصيات شعبية لتولي منصب رئيس الدولة، تصدر اثنان من ممثلي حزب التجمع الوطني اليميني الشعبوي: زعيم الحزب جوردان بارديلا و زعيمة الكتلة البرلمانية مارين لوبان ، بالرغم أن الأخيرة ممنوعة من تولي مناصب سياسية لمدة خمس سنوات بعد صدور حكم قضائي ضدها بتهمة اختلاس أموال عامة. ويعتبر سايدندورف أن انتخاب رئيس أو رئيسة من حزب التجمع الوطني أمر “يصعب تصوره” ولكنه “لم يعد مستبعدا تماما”.

حسب استطلاع رأي أُجري في نهاية سبتمبر يتصدر مارين لوبان وجوردان بارديلا من حزب التجمع الوطني قائمة المرشحين الأكثر شعبية للرئاسة
حسب استطلاع رأي أُجري في نهاية سبتمبر يتصدر مارين لوبان وجوردان بارديلا من حزب التجمع الوطني قائمة المرشحين الأكثر شعبية للرئاسةصورة من: Aurelien Morissard/Maxppp/dpa/picture alliance

ألمانيا لديها نظام مختلف. صحيح أن وجود مستشار اتحادي أو مستشارة اتحادية من  حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أمر غير وارد في الوقت الحالي، لأنه لا يوجد حزب آخر في البوندستاغ يرغب في التعاون معه. لكن عدة استطلاعات رأي أجريت مؤخرا حول نوايا التصويت في الانتخابات البرلمانية، وضعت  حزب البديل من أجل المانيا متقدما بفارق ضئيل على حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة فريدريش ميرتس.

يصف ستيفان سايدندورف من المعهد الألماني الفرنسي المعضلة السياسية في كلا البلدين على النحو التالي: “هذا جزء من المشكلة التي تشعر بها فرنسا حيث يقدم كل من اليسار واليمين المتطرفين مقترحات راديكالية، مما يؤدي إلى عدم تحملهم المسؤولية وفي الوقت نفسه فإن الجزء الوسطي الذي يتولى مسؤولية الحكم قد تقلص”.

وزير الدولة للشؤون الأوروبية غونتر كريشباوم وإن كان في حديثة لـ DW يحذر من المبالغة لأن “فرنسا هي ديمقراطية حية. وما يحدث هناك الآن هو جزء من صراع ديمقراطي”، إلا أنه في الوقت ذاته يقر بان “التطورات تظهر أن ديمقراطياتنا الأوروبية تواجه تحديات عدة. يجب أن تكون مهمتنا جميعا تركز على ضمان سير ديمقراطياتنا وتجسيدها بالحياة معًا”.

أعده للعربية: م.أ.م


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى