لماذا يدعم ترامب شركة “باير” الألمانية ضد دعاوى الأمريكيين؟ – DW – 2025/12/24

معركة قانونية طويلة الأمد ضد مبيد الأعشاب “راوند أب” من إنتاج شركة باير، امتدت لسبع سنوات وتتمثل في رفع ما يقارب 200 ألف دعوى قضائية تتعلق بالإصابة بالسرطان إثر استخدام مبيد الأعشاب على المدى الطويل.
بدأ ذلك في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، حيث جادلت وزارة العدل الأمريكية بأنه ينبغي السماح للمستهلكين بمقاضاة عملاق الكيماويات الألماني، إذ تتعلق معظم الدعاوى بسرطان الغدد الليمفاوية اللاهودجكيني بعد التعرض طويل الأمد للمبيد.
لكن في وقت سابق من هذا الشهر، تراجعت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن موقفها، فبعد أن طلبت المحكمة العليا الأمريكية رأي النائب العام، انحازت وزارة العدل إلى جانب شركة باير وحثت على وضع قيود على عشرات الآلاف من الدعاوى القضائية المعلقة.
وكانت باير قد دفعت بالفعل حوالي 10 مليارات دولار أي ما يعادل 8.53 مليار يورو لتسوية دعاوى السرطان المتنازع عليها في الولايات المتحدة، كما أعلنت في يوليو/ تموز الماضي أنها ستخصص 1.2 مليار يورو إضافية، سيذهب معظمها كتعويضات.
استحوذت شركة باير على مبيد راوند أب في عام 2018 كجزء من صفقة استحواذها على شركة مونسانتو عملاق الصناعات الزراعية الأمريكية المعروفة ببذورها المعدلة وراثيًا ومبيداتها الكيميائية الزراعية المثيرة للجدل، وذلك مقابل 63 مليار دولار أمريكي.
تغير السياسات الأمريكية سيحدد مصير شركة باير
رفع مدعون في عهد بايدندعاوى بموجب قوانين ولاياتهم ضد شركة باير، زاعمين أن المادة الفعالة في راوند أب، الغليفوسات، تسبب السرطان، وأن باير لم تقدم تحذيرات كافية.
ومع أن القانون الأمريكي يحدد قواعد عامة على مستوى البلاد لكيفية الموافقة على المبيدات، إلا أن هذا لا يمنع كل ولاية من حماية مواطنيها بقوانينها الخاصة. لذلك، حتى لو وافقت وكالة حماية البيئة (EPA) على مادة الغليفوسات، لا يزال بإمكان الأفراد مقاضاة شركة باير إذا اعتقدوا أن ملصقاتها مضللة.
ولكن الحال تغيّر مع إدارة ترامب، التي حثت المحكمة العليا على قبول حجة شركة باير بأن القانون الفيدرالي يمنع رفع مثل هذه الدعاوى، مما يحد فعلياً من نطاق الدعاوى المتبقية أمام 65 ألف مدعٍ.
يقول مؤيدو مبدأ منع رفع الدعاوى الفيدرالية إنه يُرسي قواعد وطنية موحدة لملصقات المبيدات، ويتجنب الارتباك الناتج عن اختلاف متطلبات الولايات، ويدعم الدور المحوري لوكالة حماية البيئة في تنظيم السلامة.
واعتبرت إدارة ترامب أن مثل هذه الدعاوى تشكّل عبئاً غير ضروري على الشركات وتعرّض باير لمسؤوليات ضخمة وغير متوقعة حتى بعد موافقة وكالة حماية البيئة على منتجاتها.
في حين استنكر النقاد موقف إدارة ترامب، معتبرين أنه يخدم مصالح الشركات على حساب العدالة لعدد كبير من المطالبين، الذين يعاني الكثير منهم من أمراض مزمنة أو إعاقات شديدة.
وقال مارتن ديرمين، المدير التنفيذي لشبكة “بان يوروب”، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية التي تعمل على القضاء على المبيدات الخطرة وتعزيز الزراعة المستدامة، لـ DW: “إن هذا التوجه نحو تقييد حقوق المواطنين من قبل حكومات اليمين المتطرف (كحكومة ترامب) أمرٌ مُرعب”.
ويرى آخرون أن هذه الخطوة تُظهر فشلاً في حماية الصحة العامة في الولايات المتحدة، ويُضعف سلطة الولايات، ويجرّد المحاكم من صلاحياتها في محاسبة الشركات.
باير تحث على إنهاء الجدل سريعاً
ضغطت شركة باير على المشرعين الأمريكيين بشأن الدعاوى القضائية الجماعية، وقدمت التماساً إلى قضاة المحكمة العليا لمراجعة حكم محكمة في ميسوري أيد قرار هيئة محلفين بتعويض جون دورنيل بمبلغ 1.25 مليون دولار، والذي ادعى أن إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية اللاهودجكينية ناجمة عن التعرض لمبيد الأعشاب.
استشهدت الشركة بعقود من الدراسات تُظهر أن مبيد الأعشاب راوند أب آمن للاستخدام البشري، ولكن هذه الحجة باتت أضعف بعد سحب ورقة بحثية رئيسية من عام 2000، كانت تستخدم غالباً للاستشهاد بها للدفاع عن سلامة مركب الغليفوسات، في وقت سابق من هذا الشهر بسبب كتابة خفية غير معلن عنها من قبل شركة مونسانتو وقضايا أخلاقية أخرى.
وبرغم ذلك، ما تزال الغالبية العظمى من الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم تصنف الغليفوسات على أنه غير مسرطن عند استخدامه وفقاً للإرشادات.
وحذّر بيل أندرسون، الرئيس التنفيذي لشركة باير، من أن الشركة قد توقف بيع مبيد الأعشاب راوند أب في الولايات المتحدة إذا لم تُحلّ الدعاوى القضائية قريباً، وصرح أندرسون، خلال فعالية نظمتها صحيفة أكسيوس الأمريكية في مايو/ أيار، بأن هذا المبيد ضروري للغاية في مكافحة انعدام الأمن الغذائي العالمي.
كما رحّب أندرسون بتراجع ترامب عن سياسته، وقال: “المخاطر جسيمة، إذ إن سوء تطبيق القانون الفيدرالي يُعرّض توافر الأدوات المبتكرة للمزارعين والاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي للخطر”.
قد يُقيّد قرار المحكمة العليا الدعاوى المستقبلية
يتعين الآن على قضاة المحكمة العليا الأمريكية البت في قبول التماس شركة باير، وفي حال قبوله، سيُحدّد الحكم الصادر بحلول منتصف عام 2026 ما إذا كانت الشركة الألمانية ستحصل على حماية قانونية شاملة.
وأوضحت ماري ج. ديفيس، عميدة كلية روزنبرغ للقانون بجامعة كنتاكي، أن المحكمة تُعيد النظر في قرارها الصادر قبل 20 عاماً بشأن قانون المبيدات الفيدرالي الأمريكي.
حيث كانت القوانين الفيدرالية هي التي تحدد التحذيرات الواجب إدراجها على ملصقات المبيدات، وأنه لا يحق للولايات المطالبة بتحذيرات مختلفة أو إضافية، ومع ذلك لا يمنع هذا تلقائيًا جميع الدعاوى القضائية المرفوعة على مستوى الولايات ضد شركات مثل باير لتقصيرها في التحذير من المخاطر.
قالت ديفيس لـ DW: “إن قانون المبيدات الحشرية والفطرية والقوارض الفيدرالي (FIFRA) غير واضح تماماً فيما يتعلق بنطاق تطبيق قوانين الولايات، وهناك احتمال كبير أن ترغب المحكمة في توضيح كيفية تطبيق هذا القانون”.
وبناء عليه قد يُجنّب الحكم الصادر لصالح الشركة مليارات الدولارات من الدعاوى القضائية القائمة، وقد يصعّب على المستهلكين رفع دعاوى قضائية بشأن المنتجات الضارة، ويُقلّل بشكل كبير من مطالبات التعويض.
وقالت ديفيس: “إذا لم تنظر المحكمة العليا في هذه القضية وتصدر حكمًا لصالح الشركة، فسنشهد سنوات عديدة أخرى من التقاضي”.
كما حذّر كريس هيلسون، أستاذ القانون وتغير المناخ في جامعة ريدينغ بالمملكة المتحدة، من أن دعاوى راوند أب قد تكون “مجرد بداية” لموجة أوسع من التقاضي ضد قطاع الأغذية والزراعة.
قال هيلسون لـ DW: “نتوقع أن نشهد المزيد من الدعاوى القضائية التي ترفعها الحركة البيئية، لأسباب تتعلق بالمناخ والتنوع البيولوجي وصحة الإنسان”.
وتحظى قضية باير بمتابعة دقيقة في أوروبا، حيث مدد الاتحاد الأوروبي الموافقة على استخدام الغليفوسات حتى عام 2033 على الرغم من المعارضة الشديدة من الجماعات البيئية.
في الوقت الذي تواصل فيه بعض الدول الأعضاء بما في ذلك فرنسا والنمسا، الضغط من أجل فرض قيود أكثر صرامة أو حظر تام.
أعدته للعربية: ميراي الجراح
تحرير:ع.ج.م
Source link



