دمج “قسد” إلى أين؟ معارك حلب تُنذر بانهيار مسار التسوية – DW – 2025/12/23

ما الذي حدث؟
اشتباكات استمرت لساعات يوم الاثنين (22 كانون الأول/ ديسمبر 2025) بين قوات من الجيش السوري وقسد في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، حيث لقي 4 أشخاص حتفهم وأصيب 15 آخرين بقصف، ونزحت عشرات العائلات من منطقة الاشتباكات في مدينة حلب. ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قولها إن 17 شخصاً أصيبوا وامرأة قتلت. ولم يمكن التحقق بشكل فوري من تقارير الخسائر المتباينة.
بعد القتال أوعزت كلّ من وزارة الدفاع السورية وقوات سوريا الديموقراطية لعناصرهما بوقف تبادل النيران مساء الاثنين. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن وزارة الدفاع أن قيادة الأركان في الجيش السوري أصدرت “أمرا بإيقاف استهداف مصادر نيران قسد بعد تحييد عدد منها”. من جهتها أعلنت القوات الكردية عن إصدار “توجيهات لقواتنا بإيقاف الرد على هجمات فصائل حكومة دمشق، تلبية لاتصالات التهدئة الجارية”.
ما هو الموقف التركي؟
اندلعت أعمال العنف بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته إلى دمشق بأن قوات سوريا الديمقراطية لا تعتزم فيما يبدو الوفاء بالتزامها بالاندماج في القوات المسلحة للدولة السورية بحلول الموعد النهائي المتفق عليه بنهاية العام.
وتنظر تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مساحات شاسعة من شمال شرق سوريا، على أنها منظمة إرهابية وحذرت قائلة إنها قد تلجأ إلى العمل العسكري إذا لم تحترم الجماعة الاتفاق.
ومن شأن دمج قوات سوريا الديمقراطية أن ينهي أعمق انقسام متبق في سوريا، لكن عدم حدوث ذلك ينذر باندلاع صراع مسلح ربما يعوق خروج البلاد من حرب استمرت 14 عاما، وقد يؤدي أيضا إلى تدخل تركيا، التي هددت بشن توغل ضد المسلحين الأكراد الذين تصنفهم إرهابيين.
وما هو موقف واشنطن؟
تلعب الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، دور الوسيط عبر نقل الرسائل بين الطرفين وحثهما على التوصل إلى اتفاق. وقالت عدة مصادر لرويترز إن الولايات المتحدة، التي تدعم الرئيس السوري أحمد الشرع وتحث على دعم عالمي لحكومته الانتقالية، نقلت رسائل بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق وسهلت المحادثات وحثت على التوصل إلى اتفاق. ولم تعلق وزارة الخارجية الأمريكية بعد على الجهود التي تُبذل في اللحظة الأخيرة للاتفاق على اقتراح قبل نهاية العام.
ويتعرض الطرفان لضغوط شديدة من واشنطن التي تدعو إلى سوريا موحدة. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لرويترز: “الولايات المتحدة مهتمة بخلق مسار سلمي ومزدهر ومستقر لسوريا. لن يحدث هذا من دون وحدة سورية”.
المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك أعلن في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في منشور عن اجتماع “هام” عقد في واشنطن بين وزراء الخارجية الأمريكي ماركو روبيو والتركي هاكان فيدان والسوري أسعد الشيباني. وخلال الاجتماع، قال باراك: “وضعنا خريطة الطريق للمرحلة المقبلة (…)التي تشمل دمج قوات سوريا الديمقراطية في الهيكل الاقتصادي والدفاعي والمدني الجديد لسوريا”.
هل هناك آفاق للتوصل إلى حل؟
وعد الرئيس السوري أحمد الشرع المؤقت بتوحيد البلاد، وتُعدّ عملية دمج الأكراد خطوة مهمة في هذا الاتجاه. فالاتفاق موجود، لكن التنفيذ ما يزال غائبا. بيد أن بعض المصادر الكردية قالت قبل أسبوع إنّ المفاوضات بشأن دمج الميليشيات الكردية في الجيش السوري النظامي تعثّرت.
بعد التحول السياسي في سوريا نهاية العام الماضي، اتفقت الحكومة الانتقالية الحالية وقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية على دمج مقاتلي القوات في الجيش السوري. لكن بقيت تفاصيل كيفية تنفيذ ذلك غير واضحة. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على شمال غرب سوريا حيث أسست إدارة ذاتية خاصة بها. وخلال الحرب الأهلية قاتلت بدعم أمريكي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقد اعتُبرت اتفاقية الدمج في بلد مزقته الحرب الأهلية بعمق نقطة تحول محتملة، ورُؤيت كخطوة مهمة نحو المصالحة الوطنية. إلا أنّ التفاؤل الأولي بدأ يتلاشى ليحل محله الإحباط المتزايد، إذ لم تُتخذ حتى الآن خطوات عملية لتنفيذ الاتفاق. قدّمت قوات سوريا الديمقراطية، بحسب المتحدث، قبل أكثر من شهرين مقترحًا شاملًا للاندماج في الجيش السوري، لكن الحكومة لم ترد عليه حتى الآن. واتهم الشامي المسؤولين في دمشق بعرقلة العملية التفاوضية بشكل متعمد.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ما تزال مسألة دمج المقاتلات النساء نقطة خلاف حساسة. إذ تمتلك قوات سوريا الديمقراطية وحدة نسائية مقاتلة، بينما ترفض بعض الجماعات المسلحة السابقة دور النساء في الجيش، وفق ما ذكره المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرًا له.
وتعوّل دمشق على دولة مركزية قوية لتوحيد البلاد بعد سنوات من الانقسام، بينما يسعى الأكراد إلى نظام دولة لامركزي. وفي هذه القضية الجوهرية لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن. وقد اتهمت الحكومة الانتقالية الأكراد مؤخرًا بطرح مطالب غير واقعية، كما اتهمت قوات سوريا الديمقراطية بعدم الالتزام بتعهداتها وتأخير تنفيذ الاتفاقات المتفق عليها عمدًا لكسب الوقت.
ورغم الأحاديث عن تقدم غير مسبوق، يخيّم شبح الفشل على المشهد، مهددا بفتح الباب أمام مواجهة مسلحة جديدة قد تعيد إشعال نار الحرب في سوريا بعد 14 عاما من الصراع.
ما خطة دمشق لدمج القوات الكردية؟
أكدت خمسة مصادر لرويترز أن الحكومة السورية الانتقالية أرسلت مقترحا إلى قوات سوريا الديمقراطية، يتضمن إعادة تنظيم نحو 50 ألف مقاتل في ثلاث فرق رئيسية وألوية أصغر، مقابل تنازل الأكراد عن بعض سلاسل القيادة والسماح بدخول وحدات الجيش السوري إلى مناطقهم.
بيد أن مسؤولين غربيين وأكراد قللوا من احتمالات التوصل إلى اتفاق شامل قبل نهاية العام، معتبرين أن أي إعلان مرتقب سيكون هدفه الأساسي تمديد المهلة وحفظ ماء الوجه، في ظل هشاشة الوضع السوري بعد عام من سقوط بشار الأسد.
ما هي المهلة المحددة لقسد؟
من المقرر عقد اجتماع بين الحكومة السورية و(قسد) لتنفيذ الاتفاق الموقع في يوم 10 مارس/ آذار الماضي، قبل نهاية العام الجاري، بعد تدخل أمريكي وفرنسي. ويضمن الاتفاق الموقع في 10 مارس/ آذار الماضي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة وحماية حقوق جميع السوريين، مع الالتزام بعدم الانقسام وإنهاء الخلافات قبل نهاية العام.
تحرير: عماد غانم
Source link



