“دبلوماسية الرهائن”.. تكتيك إيراني يساوم به الغرب – DW – 2025/11/6

أطلقت السلطات الإيرانية هذا الأسبوع سراح المواطنين الفرنسيين سيسيل كولر وجاك باريس من سجن في طهران بعد أكثر من ثلاث سنوات على توقيفهما. أدين الفرنسيان بتهم التجسس، لكن عائلتيهما تؤكدان أنهما كانا مجرّد سائحين بريئين وجدا نفسيهما عالقين في متاهة العلاقة المتشابكة بين طهران والغرب.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية منذ مساء الثلاثاء الماضي في بيان بعنوان “الإفراج المشروط عن المواطنَين الفرنسيين”، أن سيسيل كولر وجاك باريس “أُفرج عنهما بكفالة” وأنهما “سيوضعان تحت المراقبة حتى المرحلة القانونية التالية”.
ماكرون يحث إيران على السماح بمغادرتهما
وفي تفاعل رسمي مع الحدث، حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الأربعاء نظيره الإيراني مسعود بزشكيان على السماح لمواطنين فرنسيين بالعودة إلى وطنهما إثر إطلاق سراحهما، بعد أكثر من ثلاث سنوات في السجن بتهمة التجسس التي نفتها أسرتاهما بشدة.
في المقابل، أعلنت طهران الأربعاء أن فرنسا أفرجت عن الإيرانية مهدية إسفندياري (41 عاما) التي أوقفت في شباط/فبراير بتهمة الترويج للإرهاب على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنها صارت في سفارتها بباريس.
وأعرب محامو الفرنسيَين وهم مارتن براديل وشيرين أردكاني وإيما فيلارد وكارين ريفوالان عن “ارتياحهم العميق” لخروجهما من السجن بعد 1277 يوما من الاحتجاز، لكنهم أكدوا في بيان أن موكليهما “ليسا حرَّين” بعد.
“رهائن الدولة”
وقد وصفت فرنسا المواطنين الفرنسيين الآخرين الذين اعتُقلوا في إيران سابقا وأُفرج عنهم مؤخرا، بـ “رهائن دولة”. وخلال السنوات الأخيرة، اعتُقل عشرات الأوروبيين والأميركيين في ظروف مشابهة.
وهناك سوابق كثيرة على مر التاريخ لهذه الاستراتيجية، تعود إلى السيطرة على مقر السفارة الأميركية في طهران في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 غداة الثورة، عندما تم احتجاز عشرات الأميركيين لمدة 444 يوما حتى بدايات العام 1981.
يقول جيسون برودسكي، مدير السياسات لدى مركز “متحدون ضد إيران نووية” للأبحاث ومقره الولايات المتحدة، إن “إيران اتبعت دبلوماسية الرهائن منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979”.
وأضاف أن طهران “تستخدم الرهائن كبيادق لانتزاع تنازلات لا يمكنها الحصول عليها بطريقة أخرى من الولايات المتحدة وحلفائها”. وتنفي الجمهورية الإسلامية أن تكون لديها أي استراتيجية تقوم على احتجاز الرهائن وتشدد على أن جميع الأجانب المسجونين أدينوا بعد اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
إيران والصين وروسيا وفنزويلا
تشمل هذه التنازلات الإفراج عن أصول مجمّدة أو إطلاق سراح مواطنين إيرانيين مدانين في الولايات المتحدة أو أوروبا أو غيرهما بتهم على غرار خرق العقوبات أو التخطيط لعمليات اغتيال أو الإرهاب.
وقال المستشار الأمني دارن نير الذي نظّم حملات على مدى سنوات من أجل الإفراج عن معتقلين حول العالم إن “ما يمارسه النظام الإيراني هو احتجاز الرهائن برعاية الدولة، المعروف أيضا بدبلوماسية الرهائن”.
وأضاف المتحدث أن “النظام الإيراني ليس وحده من يقوم بذلك. يفعل الفنزويليون ذلك كما يفعله الروس والصينيون”. وبالنسبة لكليمان تيرم، الأكاديمي في “جامعة بول فاليري مونبلييه” في فرنسا والذي يتابع القضية عن كثب، تشكّل هذه الاستراتيجية “ركيزة في سياسة إيران الخارجية”. وقال نير “مع مرور الوقت، تجري عمليات توقيف وإفراج عن موقوفين خلال فترات التقارب والتوتر. لكن كثافتها هي التي تتغيّر والممارسة متواصلة”.
وجاء الإفراج عن كولر وباريس اللذين ما زالا ينتظران السماح لهما بالعودة إلى فرنسا، بعدما أفرجت فرنسا بكفالة عن الإيرانية مهدية إسفندياري التي اعتُقلت في باريس بتهم الترويج للإرهاب. وربطت طهران بشكل صريح بين القضيتين رغم أن الخارجية الفرنسية رفضت التعليق على أي اتفاق.
غياب التعامل الغربي الموحد مع إيران بشأن الرهائن
جرت العادة خلال السنوات الأخيرة بأن يتزامن الإفراج عن مواطنين غربيين معتقلين في ظروف مشابهة مع حصول طهران على شيء ما في المقابل بعد جهود دبلوماسية مضنية وسريّة للغاية.
وارتبطت قضايا عدد من المواطنين البريطانيين بمن فيهم نازانين زاغاري راتكليف التي تحمل الجنسيتين البريطانية والإيرانية، بدفعة مالية كانت تدين بها المملكة المتحدة لإيران لقاء دبابات طلبها الشاه ولم تُسلّم. وتمّ تسديد المبلغ في النهاية وأُطلق سراح زاغاري راتكليف وبريطانيين اثنين عام 2022.
وفي 2023، أُفرج عن خمسة أميركيين محتجزين في إيران بينهم رجل الأعمال الأميركي-الإيراني سياماك نمازي الذي سجن ثماني سنوات، بناء على صفقة قضت بالإفراج عن أصول إيرانية بقيمة ستة مليارات دولار في كوريا الجنوبية.
وجاء إفراج إيران عن الأكاديمية البريطانية-الأسترالية كايلي مور غيلبرت عام 2020 بعدما أطلقت تايلاند سراح ثلاثة إيرانيين سجنوا على خلفية مخطط لتنفيذ تفجير عام 2012.
لكن ما زالت السلطات الإيرانية تحتجز مواطنين غربيين بينهم الأكاديمي السويدي-الإيراني أحمد رضا جلالي المحكوم بالإعدام عام 2017 بتهم تجسس تنفيها عائلته بشدة.
كما تحتجز السلطات الإيرانية الزوجين البريطانيين ليندسي وكريغ فورمان منذ كانون الثاني/يناير بتهم التجسس بعدما اوقفا بينما كانا يقومان بجولة حول العالم على متن دراجة نارية.
وأفاد برودسكي بأن على أوروبا والولايات المتحدة النظر في فرض حظر شامل على سفر مواطنيهم إلى إيران. لكنه أقر أيضا بأن واشنطن وحلفاءها تعاملوا مع “هذه المشكلة بطريقة مجزّأة لفترة طويلة”. وقال “على الحكومة الأميركية أن تعمل بشكل جماعي مع حلفائها لفرض مجموعة من الإجراءات على الجمهورية الإسلامية فور احتجاز النظام الإيراني أي رهينة من هذه البلدان، بما يشمل العقوبات والعزل الدبلوماسي”.



