اخبار السودان

عثمان ميرغني يوجه انتقادات حادة لإدارة البرهان.. احتكار القرار يهدد بقاء الدولة السودانية

في خضم أزمة وطنية تتجاوز حدود المعركة العسكرية، يسلط الصحفي السوداني عثمان ميرغني الضوء على مفارقة لافتة في المشهد السوداني: ثقة الشعب العميقة في جيشه، مقابل قلق متصاعد من طريقة إدارة الدولة في أعلى مستوياتها السيادية، حيث تتقاطع القرارات الفردية مع تحديات وجودية تهدد بقاء السودان كدولة متماسكة.

ثقة مشروطة

في مقاله الأخير، يؤكد ميرغني أن الشعب السوداني يثق تماماً في قدرات جيشه، الذي أثبت كفاءته عبر قرن من التحديات العسكرية، ونجح في استعادة مدن استراتيجية مثل الخرطوم ومدني وسنار. إلا أن هذه الثقة لا تمتد إلى إدارة الدولة السياسية والسيادية، التي يرى أنها تعاني من اختلالات بنيوية في آليات اتخاذ القرار. ويشير إلى أن الجيش السوداني قادر على أداء مهامه العسكرية بكفاءة، لكنه يواجه عزلة مؤسسية ناتجة عن ضعف الدولة في دعم جهوده سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، ما يضعف التكامل المطلوب بين المسارين العسكري والمدني.

احتكار القرار

ينتقد ميرغني بشكل مباشر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، متهماً إياه باحتكار القرار داخل دائرة ضيقة لا تتجاوز شخصه، ما يؤدي إلى أخطاء فادحة يدفع ثمنها الوطن بأكمله. ويصف هذا النمط من الحكم بأنه معزول عن التعددية في الرأي، ويعطل صناعة القرار الوطني، ويحول السلطة السيادية إلى مركز مغلق لا يستوعب تعقيدات المرحلة. ويرى أن إدارة البلاد ليست فوق النقد، وأن المدنيين، رغم عدم تدخلهم في التقديرات العسكرية، يملكون الحق في مساءلة الأداء السياسي والتنفيذي، خاصة عندما تتفاقم تداعياته على وحدة الدولة ومصيرها.

ضعف الدولة

يشدد ميرغني على أن الحماس الشعبي وحده لا يكفي لدعم الجيش، وأن الدولة القوية هي التي توفر الإسناد الحقيقي للمؤسسة العسكرية. ويقارن بين العمل العسكري والسياسي باعتبارهما مسارين متوازيين، لا يمكن لأحدهما أن ينجح دون الآخر. ويؤكد أن ضعف هياكل الدولة، وتراجع أدائها في المهام السيادية، يمثل خذلاناً حقيقياً للجيش، ويحول الدعم الشعبي إلى شعارات غير قابلة للتنفيذ. ويضيف أن الجيش القوي يحتاج إلى دولة قوية، قادرة على بناء تحالفات، وتوفير غطاء دبلوماسي واقتصادي، وتعزيز منظومة الدفاع الوطني عبر شبكات إقليمية ودولية.

نموذج التأمين

يقدم ميرغني تشبيهاً لافتاً بين النظم الدفاعية للدول وشركات التأمين، موضحاً أن الدول الحديثة تؤمن نفسها عسكرياً عبر منظومات متدرجة من التحالفات الثنائية والمتعددة الأطراف، تماماً كما تفعل شركات التأمين بإعادة توزيع المخاطر. ويشير إلى أن الجيش الوطني يتولى تأمين المخاطر في حدود مدروسة، لكن كلما تصاعد التحدي العسكري، تحتاج الدولة إلى دعم خارجي من شركاء أقوى. ويستشهد بحروب الشرق الأوسط، حيث كانت إسرائيل تدير معاركها ضمن سقف زمني محدد، ثم تستعين بالولايات المتحدة عند تجاوز هذا السقف، كما حدث في حرب أكتوبر 1973، وفي المواجهة الأخيرة مع إيران.

عزلة السودان

ينتقل ميرغني إلى مقارنة السودان بالحروب الكبرى، مثل النزاع الروسي الأوكراني، حيث توزعت فاتورة المخاطر على دول متعددة. ويؤكد أن السودان يواجه خطراً متصاعداً على بقائه، وأن الحرب التي طال أمدها تجاوزت قدرات الدولة، بينما يقف السودان وحيداً، معزولاً عن شركاء التأمين وإعادة التأمين. ويرى أن هذه العزلة ليست نتيجة ضعف الموارد، بل بسبب منهج إدارة البلاد، الذي يعمد إلى إفراغ هياكل الدولة، وإضعافها لصالح السيطرة الفردية على القرار، حتى تجاه الدول التي تبدي استعداداً للمساعدة.

تهديد وجودي

يختتم ميرغني مقاله بتحذير واضح: التهديد الذي يواجه السودان اليوم ليس عسكرياً فقط، بل يكمن في غياب الدولة وتفاقم ضعفها البنيوي. ويعتبر أن إضعاف مؤسسات الدولة، وتهميشها لصالح سلطة فردية، يمثل خطراً لا يقل عن الحرب ذاتها. ويؤكد أن السودان، رغم موارده وثرواته، لن يتمكن من مواجهة التحديات المتصاعدة ما لم يعيد بناء هياكله السياسية والسيادية، ويخرج من دائرة العزلة التي فرضها عليه نمط الحكم الحالي. في هذا السياق، تصبح المعركة الحقيقية ليست فقط في الميدان، بل في استعادة الدولة من داخلها.





Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى