أخبار العالم

تقدم ونمو اقتصادي مستمر.. هل تتفوق بولندا على ألمانيا؟ – DW – 2025/10/26

تشهد اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي ركودا بدرجات متفاوتة، لكن إحدى أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد تسجل أرقاما إيجابية: إنها  بولندا. فمع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب 3 بالمئة في عام 2024 تتفوق بولندا على معدل النمو على مستوى الاتحاد الأوروبي البالغ

1 بالمئة وعلى أكبر اقتصادين في الاتحاد وهما فرنسا وألمانيا. حيث تسجل فرنسا معدل نمو يبلغ 1.2 بالمئة بينما عانت ألمانيا من انخفاض بنسبة 0.2 بالمئة.

كما أن مؤشرات العام الحالي تبعث على التفاؤل: فسجلت بولندا نموا بنسبة 0.8 بالمئة في الربع الثاني وهو خامس أفضل معدل في الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يبلغ معدل النمو حوالي 3,3 بالمئة هذا العام وقد يصل إلى 3 بالمئة العام المقبل. ولم يأت هذا النجاح بين عشية وضحاها: فمنذ انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004 بلغ متوسط النمو السنوي حوالي 4 بالمئة.

يشهد سوق الأسهم ازدهارا وهناك ثقة في أن بولندا يمكن أن تتطور لتصبح واحدة من أقوى الاقتصادات وأكثرها ديناميكية في الاتحاد الأوروبي. وقالت كاتارزينا رزنتارزفسكا، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي لأوروبا الوسطى والشرقية في مجموعة إرستي لـ DW: “حققت بولندا أداء فوق المتوسط بشكل واضح خلال العقدين الماضيين. تضاعف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وهذا أمر رائع”.

كاتارزينا رزينتارزفسكا، كبيرة المحللين في مجموعة إرستي
كاتارزينا رزينتارزفسكا: بولندا هي مثال جيد على كيفية تحقيق التقدم والنمو الديناميكي في ظل أحزاب أو توجهات سياسية مختلفةصورة من: Erste Group/Foto: Daniela Klemencic

الأهمية تعود للحجم

يقول جاكوب فونك كيركغارد من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: إن نجاح بولندا ينعكس إلى حد ما في دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق الأخرى، لكن الحجم يمثل فارقا حاسما. ويضيف بأن “بولندا كبيرة.. لذلك فهي مهمة بالفعل على مستوى الاتحاد الأوروبي سواء من الناحية السياسية أو من حيث الثقل الاقتصادي”.

يبلغ عدد سكان بولندا 37 مليون نسمة مما يجعلها خامس أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان. ويقع اقتصادها الآن في المرتبة 20 تقريبا بين أكبر اقتصادات العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي. ومع تزايد وزنها الاقتصادي تزداد أيضا أهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية.

في السنوات الأخيرة زادت البلاد نفقاتها الدفاعية بشكل كبير، وتبلغ حاليا حوالي 4,5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. يُخصص جزء كبير من الإنفاق الدفاعي للطلبات الخارجية وليس للإنتاج المحلي. وحسب رزينتارزفسكا فإن نمو بولندا مدعوم بالاستهلاك الخاص في البلاد أكثر من الصادرات: “إنه ركيزة النمو”. وهذا يؤدي إلى انخفاض معدل البطالة مع ارتفاع الأجور الحقيقية في الوقت نفسه.

وبالتالي فإن البلاد محمية بشكل جيد نسبيا من الصدمات الخارجية. و”في حالة حدوث ركود عالمي فإن الاقتصادات الصغيرة الموجهة للتصدير هي أول من يتأثر بالطبع. لكن في الاقتصاد البولندي المغلق نسبيا يظل الاستهلاك قويا”.

الاندماج الأوروبي

إذن ما الذي فعلته بولندا بشكل صحيح؟ ترى رزينتارزفسكا أن الاندماج الناجح في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومنطقة شنغن ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو مفتاح النجاح. وتقول “إذا نظرنا إلى مفهوم التكامل بشكل عام فإن بولندا قد نجحت فعلا”. ورغم أنها لم تنضم إلى منطقة اليورو، إلا أنها تستفيد من تمويلات الاتحاد الأوروبي السخية منذ انضمامها في عام 2004. “لا يمكننا إنكار أن الوصول إلى الأموال الأوروبية كان هائلا وهو عامل مهم للنمو”،.

يوافق كيركغارد على ذلك ويقول إن بولندا “استخدمت أموال الاتحاد الأوروبي لتحسين البنية التحتية بشكل كبير. لقد قضوا تماما على الفساد الذي كان منتشرا خلال سنوات الحكم الشيوعي. لقد نجحوا في خلق بيئة تجارية جذابة، كما أن القوى العاملة لديهم جيدة التعليم بشكل عام. بولندا هي مثال نموذجي على الاندماج الناجح في الاتحاد الأوروبي”.

رئيس الوزراء دونالد توسك والرئيس كارول ناوروكسكي
عدم وجد إجماع بشأن أوروبا والخلاف في موقف رئيس الدولة والحكومة، لا ينعكس على الاقتصاد البولندي ولا يؤثر على نموهصورة من: Kacper Pempel/REUTERS

الانقسام السياسي يهدد أموال الاتحاد الأوروبي

لكن هناك عوامل عكسية. على مدى العقدين الماضيين انقسمت بولندا سياسيا بين كتلة يمينية كبيرة بقيادة حزب “القانون والعدالة” الشعبوي وكتلة ليبرالية من يسار الوسط بقيادة التحالف المدني لرئيس الوزراء  دونالد توسك.

تحالف توسك أكثر ودية تجاه الاتحاد الأوروبي واعتُبر فوز كتلته في الانتخابات البرلمانية لعام 2023 مفيدا في تأمين أموال الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل لبولندا، حيث دخل حزب “القانون والعدالة” في نزاعات متكررة مع بروكسل حول استقلال القضاء خلال فترة ولايته.

ويُنظر إلى فوز كارول نافروتسكي في الانتخابات الرئاسية لعام 2025 وهو مستقل متشكك في الاتحاد الأوروبي مدعوم من حزب “القانون والعدالة” على أنه قد يضر بعلاقات بولندا مع الاتحاد الأوروبي.

وبعد أسابيع قليلة من توليه منصبه في عام 2023 تمكن رئيس الوزراء توسك من إقناع المفوضية الأوروبية بإطلاق 137 مليار يورو من التمويل، بشرط أن يعيد نظام القضاء البولندي إلى التوافق مع معايير وقواعد الاتحاد الأوروبي. لكن محاولاته للنظر في إمكانية عزل القضاة الذين عُينوا خلال فترة حكم حزب “القانون والعدالة” تضعه في صراع مباشر مع رئيس الدولة  نافروتسكي.

تؤكد رزنتارزفسكا أن بولندا حققت تقدما اقتصاديا على الرغم من انقسامها السياسي بين الكتلتين. وتقول إن “بولندا هي مثال جيد على كيفية تحقيق التقدم والنمو الديناميكي في ظل أحزاب أو توجهات سياسية مختلفة، سواء كانت محافظة أو ليبرالية”.

شاحنات على الطريق السريع A12 قرب الحدود البولندية الألمانية
تجمع ألمانيا وبولندا حدود مشتركة، لكنهما نادرا ما تتفقان في سياستهما الأوروبيةصورة من: IPON/IMAGO

التفوق على ألمانيا؟

قد تكون النفقات الاجتماعية الإضافية مثل إعانة الأطفال التي أدخلها حزب “القانون والعدالة” مفيدة وساهمت في تحفيز الاقتصاد. لكنها تشير أيضا إلى أن النفقات الإضافية المرتبطة بزيادة الإنفاق الدفاعي وصدمة التضخم بعد الوباء، قد ساهمت في توتر الوضع المالي في بولندا.

وحسب خطط وزير المالية البولندي أندريه دومانسكي الأخيرة سيبلغ العجز في الميزانية البولندية 6,5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026. ويوضح رافال بينيكي، كبير الاقتصاديين في ING لبولندا أن وكالات التصنيف والمستثمرين لا يشعرون بأي قلق بسبب معدل النمو القوي في  بولندا. ومع ذلك يرى أن البلاد بحاجة إلى “خطة ميزانية مقنعة لتعزيز الثقة”.

 

“بولندا ستضطر إلى مواجهة هذا التحدي”، تقول رزينتارزفسكا. وتضيف “سيتطلب الأمر ضبط الميزانية واتخاذ تدابير تقشفية، وهذا بالطبع قد يبطئ النمو”. لكنها تؤكد أن الثقة الحالية لها ما يبررها، إذ أن “انخفاض معدل البطالة وثقة المستهلكين، وقبل كل شيء الإنتاجية العالية، كل ذلك يساهم في الأجواء الإيجابية العامة والأداء الاقتصادي”.

يشارك كيركغارد هذا الرأي ويعتقد أن  بولندا يمكن أن تعلم بقية دول الاتحاد الأوروبي الكثير عن الديناميكية الاقتصادية والمرونة. “كان هناك وقت كانت فيه ميشيغان وما يعرف اليوم بحزام الصدأ في الولايات المتحدة هي الجزء المهيمن اقتصاديا في الاقتصاد الأمريكي”، كما يقول، ويضيف “لم يعد هذا هو الحال الآن. ولكن إذا افترضنا أن ألمانياغير قادرة على إجراء إصلاحات وأن بولندا ستستمر في العمل كما فعلت منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما، فإنها ستتفوق في نهاية المطاف على دول مثل ألمانيا التي قد تصبح نوعا من حزام الصدأ الأوروبي”.

أعده للعربية: م.أ.م

تحرير: عارف جابو

 


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى