غضب شعبي في تلودي والاحتجاجات تتواصل بسبب التلوث الكيميائي

تشهد مدينة تلودي في ولاية جنوب كردفان موجة احتجاجات شعبية متواصلة لليوم الرابع على التوالي، وسط حالة من الغضب الشعبي المتزايد نتيجة تدهور بيئي وصحي بالغ الخطورة، ناجم عن استخدام وتخزين مواد كيميائية شديدة السمية في مناطق التعدين عن الذهب. وأفاد ناشطون بيئيون بوجود 376 برميلاً من مادة السيانيد مخزنة في منطقة التجولة، تُستخدم في عمليات التعدين بكل من التجولة واللفة والمريضان. كما أعلنوا عن تسجيل حالتي وفاة جديدتين في مستشفى تلودي يُشتبه في ارتباطهما بالتلوث الكيميائي، ليرتفع عدد الوفيات إلى 40 حالة، فيما تجاوز عدد الإصابات 270 حالة. وطالب الناشطون السلطات المحلية باتخاذ إجراءات عاجلة لنقل هذه المواد السامة خارج نطاق المدينة، حفاظاً على صحة السكان وسلامة البيئة.
بداية الاحتجاجات
اندلعت شرارة الاحتجاجات الشعبية في تلودي منذ يوم الأربعاء الماضي، بعد تفشي حالات مرضية يُعتقد أنها ناجمة عن تسمم كيميائي مرتبط بأنشطة تعدين تستخدم مواد خطرة على الصحة العامة والبيئة. ووفقاً لمصادر محلية، فقد أسفرت هذه الحالات عن وفاة 35 شخصاً وإصابة 245 آخرين خلال أيام قليلة، ما أدى إلى تفجر موجة غضب واسعة في أوساط المواطنين. وخرج السكان في مسيرات سلمية للتعبير عن رفضهم لاستمرار هذه الأنشطة، التي يرون فيها تهديداً مباشراً لحياتهم ومحيطهم البيئي، مطالبين بوقف فوري للتعدين العشوائي ومحاسبة المسؤولين عن الكارثة.
مؤشرات التسمم
أفاد ناشطون بيئيون لراديو دبنقا أن الأعراض التي ظهرت على المصابين شملت حالات قيء مصحوب بزبد، وارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة، بالإضافة إلى إسهال شديد، وهي مؤشرات دفعت السكان إلى الاعتقاد بوجود حالة تسمم جماعي. وأوضح الناشطون أن السلطات الرسمية لم تصدر حتى الآن نتائج واضحة للتشخيص الطبي، في حين نفت مصادر صحية محلية أن تكون هذه الحالات مرتبطة بوباء الكوليرا. تزامن تصاعد الإصابات والوفيات مع تنظيم احتجاجات حاشدة داخل المدينة، عبّر خلالها المواطنون عن قلقهم المتزايد من تفاقم الوضع الصحي، مطالبين بتحرك فوري من السلطات المعنية لاحتواء الأزمة.
أجواء متوترة
أكد ناشطون أن المظاهرات التي شهدتها تلودي جرت في ظل أجواء مشحونة بالتوتر، وسط مخاوف من اندلاع مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية، في حال استمرت السلطات في تجاهل مطالب السكان. ويطالب المتظاهرون بوقف فوري لأنشطة التعدين التي تُستخدم فيها مواد كيميائية خطرة، وتقديم المسؤولين عن الكارثة الصحية إلى العدالة، إلى جانب توفير الدعم الطبي العاجل للمتضررين. وتزايدت الدعوات لتدخل حكومي عاجل، في ظل تصاعد الغضب الشعبي واتساع رقعة الاحتجاجات.
استخدام السيانيد
أوضح المتظاهرون أن عمليات التعدين الجارية في محيط تلودي ومنطقة التقولة تعتمد على استخدام مواد كيميائية شديدة السمية، من بينها السيانيد والزئبق، دون رقابة أو تصاريح رسمية. ويُعتقد أن هذه المواد هي السبب المباشر في حالات التسمم الجماعي التي اجتاحت المنطقة، خاصة بعد أن تسببت في تلوث المياه والتربة في المناطق السكنية المجاورة لمواقع التعدين. وأشار عدد من الناشطين إلى أن السلطات العسكرية قامت مؤخراً بنقل عشرات الخلاطات المستخدمة في استخلاص الذهب إلى داخل الحامية العسكرية في تلودي، في خطوة أثارت شكوكاً واسعة بين السكان، الذين اعتبروها محاولة لإخفاء الأدلة المتعلقة بالكارثة البيئية.
انهيار صحي
وصف ناشطون بيئيون الوضع الصحي في تلودي ومنجم التقولة بأنه بلغ مرحلة الكارثة، مؤكدين أن عدد الوفيات ارتفع إلى 36 حالة، بينما بلغ عدد الإصابات المؤكدة 245 حالة حتى يوم الأربعاء. وأوضحوا أن الإصابات التي كانت تقتصر في البداية على الوافدين من منطقة التقولة، بدأت تظهر الآن بين سكان مدينة تلودي نفسها، ما يشير إلى انتشار محلي واسع للتلوث الكيميائي. هذا التطور يزيد من احتمالات إصابة أعداد أكبر من المواطنين خلال الأيام المقبلة، في ظل ضعف الإمكانات الطبية وغياب فرق الاستجابة السريعة. ودعا الناشطون إلى تدخل عاجل من الجهات الصحية والمنظمات الإنسانية لتفادي انهيار كامل للنظام الصحي في المدينة.
تحركات رسمية
أفادت مصادر محلية بأن وفداً من الشركة السودانية للموارد المعدنية أجرى زيارة ميدانية يوم الثلاثاء إلى منجم التقولة لتقييم الأوضاع الصحية ومواقع التعدين المتأثرة. إلا أن اللجنة الأمنية المحلية رفضت مقترحاً بالنزول الميداني المباشر إلى المناطق المنكوبة، دون تقديم مبررات واضحة، واكتفت بتفويض الشركة لإجراء المسح الفني وتقديم تقرير لاحق. وفي خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصدرت اللجنة الأمنية توجيهات تمنع تداول أي معلومات أو أخبار حول الحادثة، مهددة بمساءلة كل من يشارك تفاصيل الأزمة عبر وسائل الإعلام أو المنصات المحلية. واعتبر ناشطون هذه الخطوة محاولة متعمدة للتعتيم الإعلامي، تهدف إلى حجب حقيقة الكارثة عن الرأي العام المحلي والدولي.
مخاوف السكان
أثار التعتيم الرسمي قلقاً واسعاً بين سكان تلودي والمناطق المجاورة، الذين يعيشون في حالة من الذعر وعدم اليقين بسبب انتشار المياه الملوثة وتسرب المواد السامة إلى الأحياء السكنية. ويرى المواطنون أن غياب الشفافية وتقييد تداول المعلومات يشكلان تهديداً إضافياً لحياتهم، إذ يحرمهم من اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لحماية أنفسهم وأسرهم. وطالب الناشطون السلطات الصحية والبيئية القومية بالتدخل الفوري لإجراء تحقيق مستقل وشفاف حول أسباب التسمم وانتشاره، ووقف جميع أنشطة التعدين التي تستخدم مواد ضارة إلى حين انتهاء التحقيق. وأكدوا أن حماية صحة الإنسان والبيئة يجب أن تكون أولوية قصوى تتجاوز أي اعتبارات اقتصادية أو سياسية.
جذور الأزمة
تعود جذور الأزمة الحالية إلى سلسلة من الاحتجاجات التي شهدتها محلية تلودي خلال السنوات الماضية، احتجاجاً على أنشطة التعدين غير المنظمة. وبدأت هذه التحركات منذ عام 2014، وبلغت ذروتها في عام 2019 عندما اندلعت مواجهات مسلحة بين شباب المنطقة والقوات الأمنية، أسفرت عن سقوط قتلى ووقوع أضرار مادية كبيرة، شملت حرق مقار شركات تعدين وعدد من الآليات. وتُعد الاحتجاجات الحالية امتداداً لتلك التوترات، في ظل استمرار المخاوف من تكرار الكارثة البيئية والصحية التي تهدد حياة الآلاف من السكان، وسط مطالب متجددة بوقف فوري للأنشطة التعدينية غير الآمنة ومحاسبة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
Source link



