أخبار العالم

ميرتس يختبر حدود الاعتدال والاستقطاب في “المشهد العام للمدن” – DW – 2025/10/24

جملة واحدة كانت كافية لإشعال جدل قديم / جديد في ألمانيابشأن الهجرة وموقعها في المجتمع الألماني، وصاحبها لم يمن سوى المستشار فريدريش ميرتس نفسه، حين أكد أنه وبالرغم من وجود نجاحات في خفض أعداد اللاجئين، إلا أن “مشاكل في المشهد العام للمدن” ما تزال قائمة. تصريحات أخرجت مظاهرات في عدة مدن ألمانية ودفعت بعدة شخصيات من المجتمع المدني وعالم السياسة إلى التعليق على تصريحات المستشار الذي اضطر لتوضيح مفصل لما قصده بتصريحاته بالضبط، خلال زيارته لبريطانيا، إذ أوضح أن بلاده ستظل في المستقبل بحاجة إلى الهجرة لتلبية احتياجات سوق العمل، لكنه أوضح في الوقت ذاته أنه يقصد بـ”مشهد المدن” المهاجرين غير النظاميين بدون إقامة قانونية الذين لا يلتزمون بالقوانين الجاري بها العمل في البلاد. واستطرد ميرتس موضحا أن هذا هو سبب “كون كثير من الناس في ألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي يشعرون بالخوف من التواجد في الأماكن العامة”، وتابع إن هذا أمر يسري على محطات القطارات ومترو الأنفاق وبعض الحدائق العامة، هذا “يؤثر على أحياء بأكملها وتسبب مشكلات كبيرة للشرطة”.

صحيفة “نويه تسوريخر تسايتونغ” السويسرية الناطقة بالألمانية كتبت معلقة (18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025) “من المفهوم تماما أن يشعر المهاجرون والمواطنون من ذوي الأصول المهاجرة المندمجين جيدًا بالانزعاج من التعميم الذي وقعت فيه تصريحاتفريدريش ميرتس. تصريح جاء في سياق عمليات الترحيل، وقد يُفهم في أسوأ الأحوال أن لميرتس مشكلة مع جميع الأجانب في البلاد. هذا التفسير يُعد سوء فهم متعمد. فقد أوضح ميرتس مرات عديدة أنه يعتبر المهاجرين المندمجين جيدًا إضافة إيجابية لألمانيا. ومع ذلك، فإن ملاحظته بشأن المشهد العام في المدن لامست نقطة بالغة الحساسية (..) ففي الخريف، تُوضع حواجز خرسانية لمنع الهجمات الإرهابية على أسواق عيد الميلاد التي كانت في الماضي مفتوحة وسلمية. وتخضع المتاجر والمدارس والمسابح لمراقبة أجهزة الأمن. وكلما اشتدت الأوضاع في الشرق الأوسط، يتظاهر أنصار فلسطين، وبعضهم يدعم حماس بشكل صريح، في برلين أو هامبورغ أو إيسن، لبث الكراهية ضد إسرائيل وأحيانًا ضد ألمانيا أيضًا.”

زلة لسان أم مناورة سياسية متعمدة؟

سبق وأن أعلن المستشار ميرتس (20 أكتوبر) بالنأي بحزبه عن اليمين الشعبوي (حزب البديل من أجل ألمانيا) الذي تزداد شعبيته باطراد لدى الرأي العام الألماني، معتبرا إياه بـ”الخصم الرئيسي” خلال الاستحقاقات الانتخابية المحلية الخمسة المقرر تنظيمها العام المقبل. وحلّ حزب “البديل”، ثانيا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير/ شباط الماضي، وتظهر استطلاعات رأي عدة تأخره أمام الحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي الذي يتزعمه ميرتس. ويتنامى القلق من سيناريو اكتساح انتخابي شامل لهذا الحزب المناهض لأوروبا والهجرة والموالي لروسيا. موقف ميرتس من اليمين الشعبوي قوبل بترحيب من الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير الذي قال خلال زيارة له إلى النمسا “أرحب بأن المستشار (ميرتس) رسم لنفسه ولحزبه خطا واضحا في مواجهة المواقف والأحزاب اليمينية الشعبوية والمتطرفة، باستبعاد أي تعاون أو تحالف معها”.

البرلمان الألماني يلغي قانون التجنيس السريع

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

وبقدر ما تم الترحيب بموقف ميرتس من حزب “البديل”، كان الاستغراب والدهشة كبيرين بشأن ما قاله عن المشهد العام في المدن. وبهذا الصدد أوضح أوليفر ديكر، الباحث الألماني في شؤون الديمقراطية، (وكالة الأنباء الألمانية 23 أكتوبر) أن تصريحات ميرتس المثيرة للجدل مُتعمدة، موضحا أن المستشار لا يعبر صراحة عن مشاعر استياء “لكنه يعلم أن التلميحات ستفهم على هذا النحو، وبذلك يُرضي أصحاب هذه المشاعر من دون أن يغضب الجناح داخل الحزب الذي لا يشارك هذه المشاعر”. وأضاف ديكر أن خلفية الأمر تكمن في المأزق الذي يعيشه حاليا حزب ميرتس، وقال “هناك قوى بداخله تميل نحو حزب “البديل من أجل ألمانيا”، وأخرى ترى أن برنامج حزب البديل لا يتوافق مع قيم الحزب المسيحي الديمقراطي”، موضحا أن ميرتس يحاول المناورة بين هذين القطبين من خلال “تلميحات أكثر منها تصريحات صريحة تعبر عن هذا الاستياء”.

“فريدريش ميرتس ليس عنصريا”

سبق أن صدرت عن حزب “البديل” تهديدات بإمكانية طرد جميع من لم يولدوا في ألمانيا رغم عيشهم فيها، وأن يتوقعوا بالتالي ما يسمّى بـ”إعادة الترحيل ليشمل ذلك حتى أبناء وأحفاد المهاجرين. وبالتالي فإن ميرتس يعلم مدى حساسية هذا الموضوع، وإن حدد بشكل واضح أن ما يعنيه هم المهاجرون غير النظاميين. وهكذا وقًع أكثر من 200 ألف شخص حتى يوم الخميس (24 أكتوبر) على عريضة إلكترونية تعارض تصريحات ميرتس بشأن الهجرةو”صورة المدينة”. عريضة أطلقتها جماعة “البنات الراديكاليات” التي كتبت “نحن البنات ولن نسمح لك أن تستغلنا بعنصريتك، يا سيد ميرتس! أنت لا تتحدث باسمنا”. وجاء في رسالة موجهة إلى ميرتس “إذا كنتَ حقًا تقلق على سلامتنا نحن البنات، فاجعل الحماية من العنف المنزلي قضية على أعلى مستوى”.

قوانين جديدة في ألمانيا تعيق لم شمل العائلات

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

ووُجّهت اتهامات بالعنصرية لميرتس بمناسبة تصريحاته، غير أن أصوات كثيرة ارتفعت للدفاع  المستشار بما في ذلك داخل الحزب الاشتراكي الديموقراطي كرئيس وزراء ولاية راينلاند- بفالس، ألكسندر شويتزر، الذي صرح لصحيفة “بيلد” الشعبية الواسعة الانتشار (23 أكتوبر) “الهجمات التي يتعرض لها المستشار الآن يجب أن يُنظر لها بميزان وعقلانية، لذلك أقول: أنا لا أراه عنصريًا، بل أراه شخصًا يفاجئه أحيانًا ما يقوله هو نفسه (..) “أنا مقتنع تمامًا بأن مستشارنا لم يدلِ بأي تصريح عنصري، ولن أفترض ذلك ببساطة”. وأضاف “عندما تكون مستشارًا، لا يمكنك التعبير وكأنك مراقب محايد للمشهد السياسي”.

ميرتس يدفع بحزبه من الوسط إلى اليمين؟

انتقد دانيال باياز وزير المالية في ولاية بادن-فورتمبيرغمن حزب الخضر، ، تصريحات ميرتس. وقال باياز لموقع “شبيغل أونلاين” (23 أكتوبر) “المستشار يربط بين الهجرة والمظهر الحضري بشكل غامض. ما يقصده بالضبط غير واضح (..) هذا خطير، لأنه يشعر به أيضًا كثير من الناس ذوي أصول مهاجرة الذين يعيشون ويعملون هنا أو ولدوا هنا أصلاً”. ورغم ذلك، دعا السياسي من حزب الخضر إلى نقاش مفتوح حول المشاكل في مراكز المدن الألمانية. وقال “من المهم أن نتمكن من الحديث عن شعور بعض الناس بعدم الارتياح في الأماكن العامة”. وأضاف “إذا كانت النساء يتجنبن أماكن معينة أو وسائل النقل العام مساءً، لا يمكننا قبول ذلك”. أضاف “ذلك يرتبط أيضًا ببعض المجموعات من المهاجرين الذكور، ويجب أن نقول ذلك بوضوح، ولكن ليس فقط”.

وبهذا الصدد علقت صحيفة “فولكسكرانت” الهولندية (21 أكتوبر) وكتبت “تصريحات ميرتس تؤكد إلى أي مدى تحرك الحزب الديمقراطي المسيحي  نحو اليمين تحت قيادته. فالحزب الشعبي الكبير، الذي حكم ألمانيا معظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يتكوّن من أجنحة مسيحية-اجتماعية وليبرالية ومحافظة. ميرتس يمثل الجناح الأخير، وهو يعلو بصوته على الأصوات الأخرى (..) ويسير ميرتس على خيط رفيع: فمن جهة يقدم حزبه كحارس للوسط السياسي، ومن جهة أخرى يأمل من خلال سياسة هجرة أكثر صرامة وخطاب يزداد حدة أن يمنع الناخبين من التوجه إلى حزب البديل، وبرأيه، فإن الحكومة الحالية المكوّنة من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي تمثل “الفرصة الأخيرة” لكبح اليمين المتطرف”.

كلينغبايل: بناء الجسور بدل تقسيم الناس بالكلمات

دعا زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبايل ونائب المستشار إلى التحلي بالحذر في الخطاب السياسي “أقول لكم بوضوح شديد، أريد أن أعيش في بلد تبني فيه السياسة الجسور وتوحد المجتمع، بدل أن تفرقه بالكلمات. وأقول لكم أيضًا: أريد أن أعيش في بلد لا يُحكم فيه على الناس من خلال مظهرهم الخارجي لتقرير ما إذا كانوا ينسجمون مع صورة المدينة أم لا (..) هذا لا يعني أنه ليست هناك مشاكل، ولكنني أريد أيضًا أن نفهم أن التنوع الذي نعيشه اليوم هو مصدر قوة في هذا البلد”.

غير أن كاي روغِه من “اتحاد دوائر المقاطعات الولائية” قال في حوار مع تلفزيون “إن.دي.إير إنفو” الألمانية (23 أكتوبر) “هذا لا يعني أنه ليست هناك مشاكل. لكنني أود أيضاً أن ندرك أن التنوع الذي نملكه اليوم هو مصدر قوة في هذا البلد، نحن نتفق على هذين الجانبين (..)لدينا هذه المشكلة في المدن والمناطق والبلديات، وحتى في القرى الصغيرة. والمستشار ميرتس يتطرق إلى أمرين: حدود القدرة على الاندماج، في المدارس والعمل ودور الحضانة. كما يتحدث أيضاً عن مدى وضوح عمليات الترحيل.”

تحرير: يوسف بوفيجلين 


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى