الانتخابات العراقية.. دعوات للمقاطعة وحملات تحث على المشاركة – DW – 2025/10/23

تصاعدت حدّة المطالبة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025، من قبل المئات من الناشطين المدنيين، ومنظمات مجتمع مدني، وأحزاب ناشئة أعلنت معارضتها الصريحة للترشّح أو التصويت. كما جدّد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، دعوته لأتباعه بمقاطعة الانتخابات، وذلك من خلال بيان صدر عن مكتبه في حزيران/ يونيو من العام الجاري.
وخلال الشهر الجاري، تشرين الأول/أكتوبر، وجّه الصدر بمقاطعة (78) مرشّحًا ممن خالفوا دعوته إلى عدم المشاركة، وأعلن “البراءة” منهم، معتبرًا ترشّحهم خيانة للنهج الصدري. كما دعا إلى مقاطعتهم سياسيًا واجتماعيًا، واتّهمهم بمعاداة مشروع الإصلاح، وسعيهم من خلال المشاركة إلى تقوية مشروع الفساد، على حدّ وصفه.
أسباب الدعوة للمقاطعة
ويقول الناشط السياسي أحمد الركيباوي لـ DW:”مقاطعتنا للانتخابات تأتي لأسباب عدّة، على رأسها التزوير الكبير الذي حصل في الانتخابات السابقة، والذي نبّهنا إليه أكثر من مرة، وحذّرنا من تأثيراته السلبية على المشاركة مستقبلًا. لكننا لم نجد استجابة من الجهات المسؤولة، وعلى رأسها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. كنا نأمل أن يُسهم الاستماع إلينا في تعديل مسار العملية الديمقراطية.”
وأضاف “ساهم في تصاعد حدّة المقاطعة استبعاد عددٍ ليس بالقليل من المرشحين المدنيين، وقطع الطريق أمام مشاركتهم في السباق الانتخابي. ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، سجاد السالم، الذي كان يُمثّل صوتًا مدنيًا داخل البرلمان، وكان يطالب بإصلاح العملية السياسية وضرورة حصر السلاح بيد الدولة. إلا أنه جوبه بسيلٍ من الدعاوى والشكاوى التي طالبت باستبعاده، وهو ما يدفعنا إلى الإصرار على المقاطعة، وعدم فسح المجال لقيام حكومة تحمي السلاح المنفلت بدلًا من القضاء عليه”.
ودعا الناشط أحمد الركيباوي الأحزاب المدنية إلى الانضمام لحملة المقاطعة وسحب ترشيحاتهم من الانتخابات، مؤكدًا أن فوزهم، إن حصل، سيضعهم ضمن منظومة سياسية فاسدة تستمر في نهب مقدّرات البلد، ولن تقدّم للشعب ما يستحقه.
ورداً على سؤال لـ DW حول جدوى المقاطعة قبل تعديل الدستور وقانون المفوضية، خصوصًا ما يتعلق بنسبة المشاركة، قال الركيباوي: “نحن طالبنا أكثر من مرة بضرورة تعديل الدستور وقانون المفوضية، لتكون نسبة المشاركة القانونية في الانتخابات 50%، وكان ذلك أحد أبرز شعارات ثورة تشرين التي اندلعت عام 2019”.
وأضاف “ورغم المحاولات لإجراء التعديل، إلا أنه لم تكن هناك استجابة حقيقية. لكن المقاطعة، عندما تحظى بمعارضة شعبية واسعة، ستشكّل عامل ضغط على الجهات الرقابية للعملية الانتخابية، ومنها الأمم المتحدة، وقد يُسهم ذلك في الإخلال بتوازن القوى السياسية الحالية، وهو أمر مهم، خاصة إذا تحوّلت تلك المعارضة إلى احتجاجات واسعة بسبب عدم تنفيذ البرامج الانتخابية المُعلنة، وهو ما نتوقعه، إذا ما عدنا إلى السنوات الماضية، التي لم تحقق خلالها الأحزاب الفائزة أيًّا من وعودها”.
يُذكر أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استبعدت حتى الآن (786) مرشحًا من السباق الانتخابي، لأسباب تتعلق بوجود قيود جنائية، أو تهم بالفساد، أو مخالفة السلوك الانتخابي. علمًا أن بعض المستبعدين كانوا من الفائزين في الانتخابات السابقة. وتُعدّ قرارات الاستبعاد بهذا الحجم سابقةً هي الأولى من نوعها مقارنةً بالانتخابات البرلمانية السابقة.
حملة مضادة: “لا سبيل للتغيير إلا الانتخابات”
وعلى الرغم من تصاعد حدّة المقاطعة، هناك في المقابل ناشطون ومنظمات مجتمع مدني يعملون على حثّ الجماهير للمشاركة في الانتخابات، إيمانًا منهم بأنها السبيل السلمي الوحيد لإحداث التغيير المنشود.
ومن بين هؤلاء، الناشط السياسي أيوب عبد الحسين، الذي قال لـ DW “أجد أن المشاركة في الانتخابات واجب وطني، وعلى جميع الناخبين التوجّه لانتخاب القوائم التي تحمل برنامجًا وطنيًا ومشروعًا سياسيًا يهدف إلى تغيير الواقع في العراق، سواء على مستوى النظام الاقتصادي أو الاجتماعي، وتقديم الخدمات الأساسية. المشاركة ضرورية لتغيير من أثبت فشله طيلة ثلاثة وعشرين عامًا مضت، وكذلك لدفع المخاطر التي تحذّر منها العديد من النخب السياسية، وتجنّب الأزمات التي قد يمر بها العراق في حال عدم المشاركة.”
وأوضح عبد الحسين: “إن العمل على التغيير لا يمكن أن يأتي دفعة واحدة، بل من خلال الدفع بأكبر عدد من القوائم والشخصيات الوطنية المخالفة لنهج المحاصصة والخطاب الطائفي. هذا سيمنحنا بارقة أمل لتأسيس لبنة أولى نحو التغيير الأفضل. وبالتالي، فإن الدفع بالمشاركة في الانتخابات هو فعل مهم وضروري، وهو مسار التغيير السلمي الحقيقي المكفول دستوريًا.”
ورداً على سؤال لـ DW حول تأثير استبعاد آلاف المرشحين، خصوصًا المدنيين الذين يدعم ترشيحهم، أجاب عبد الحسين: “الاستبعادات تستهدف أشخاصًا، لكن البرنامج الانتخابي باقٍ. القوى الحالية لا تستطيع استبعاد أو إلغاء الأحزاب ومشاريعها السياسية الهادفة للتغيير. بالعكس، هذا يمنحنا دافعًا أكبر للمشاركة، لتمكين القوى السياسية القادرة على التغيير، وخاصة تلك التي أثبتت ولاءها للعراق.”
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بلغ عدد المرشحين ضمن الانتخابات البرلمانية لعام 2025 نحو (7709) مرشحًا، انطلقت دعايتهم الانتخابية في بداية الشهر الحالي، وتنوّعت بين نشر لافتات بأحجام مختلفة، أو إقامة مؤتمرات عامة، أو اجتماعات مصغّرة للتواصل المباشر مع الناخبين.
ويقول لـ DW الخبير في الإعلام الرقمي والمراقب للعملية الانتخابية، عماد الشرع “هناك العديد من المرشحين استثمروا الأدوات الحديثة للدعاية والإعلان أو الإعلام الرقمي المتنوع للتعريف ببرامجهم الانتخابية، ولكن مايشار له ان معظم المرشحين هم قادة سياسيون كلاسيكيون، لا يمتلكون الخبرة الكافية لاستخدام الإعلام الرقمي، رغم إدراكهم لأهميته، وهو ما دفعهم إلى اللجوء لشركات إعلانية لإدارة حساباتهم وصفحاتهم الشخصية، وضمان وصول صوتهم إلى أبعد نقطة ممكنة لدى الناخبين المستحقين للتصويت.”
وأضاف الشرع “قد يُنظر إلى كثرة الشركات الدعائية التي تقود حملات المرشحين على أنها ظاهرة إيجابية، تتناغم مع رؤية الشباب وتُسهّل التأثير فيهم. لكن، للأسف، الخطاب السياسي المستخدم ما يزال كلاسيكيًا. الأدوات الرقمية متوفرة وحاضرة، لكن الخطاب لا يتناغم معها، ولا يوصل الرسالة بشكل مختصر ومؤثر، بل يظل أسيرًا للخطابات الطويلة، المملة، والمكررة.”
إحصائيات ودلالات
ورداً على سؤال لـ DW حول معدل استخدام المنصات الرقمية في العراق، وما إذا كان قد شهد ارتفاعًا مقارنةً بالأعوام الماضية، قال الخبير عماد الشرع:
“بلغ عدد المستخدمين 34.3 مليون، وفقًا لآخر إحصائية صادرة عن مركز الإعلام الرقمي (DMC) بتاريخ 3 آذار/ مارس 2025، ما يمثل 73.8% من عدد سكان العراق، مقارنةً بـ 31.95 مليون مستخدم في العام الماضي، وذلك بحسب بيانات We Are Social وMeltwater، وهما من أبرز المؤسسات العالمية المتخصصة في تحليل البيانات الرقمية.”
وأضاف “شهدنا زيادة كبيرة في عدد مستخدمي منصة تيك توك، بلغت نحو 2.35 مليون مستخدم إضافي، حيث ارتفع العدد إلى 34.3 مليون بعد أن كان 31.95 مليون في العام الماضي. هذا يشير إلى أن تيك توك أصبحت الوجهة المفضلة لشريحة واسعة من المستخدمين العراقيين، خصوصًا الشباب، إلى جانب العديد من المؤثرين وصنّاع المحتوى الذين يستقطبون الملايين.”
وتابع الشرع “في المقابل، لاحظنا أن منصة يوتيوب شهدت انخفاضًا طفيفًا في عدد المستخدمين، ما يعكس تحوّلًا لدى بعضهم نحو المحتوى القصير والتفاعلي والسريع الذي يقدّمه تيك توك، مقابل تراجع الاهتمام بالفيديوهات الطويلة.”
وبالحديث عن معدلات الاستخدام الرقمي في العراق ومدى تصاعده يبين الشرع التالي :
تيك توك :
أصبح العدد 34.3 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 31.95
فيسبوك :
أصبح العدد 20.1 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 19.30
أصبح العدد 22.3 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 22.80
أصبح العدد 19.0 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 18.25
فيسبوك ماسنجر:
أصبح العدد 15 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 15.70
سناب شات :
أصبح العدد 18.5 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 17.74
إكس :
أصبح العدد 2.65 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 2.55
لينكدن :
أصبح العدد 2.30 مليون مستخدم بعد ان كان العام الماضي 1.90
ما أبرز الأسباب المحتملة لضعف المشاركة في الانتخابات؟
وفي ظل انطلاق العملية الانتخابية وبدء الحملات الدعائية للمرشحين، يرى الصحفي المتخصص في الشأن العراقي والمعلومات الانتخابية، رحيم الشمري، أن متابعة انتخابات البرلمان لعام 2025 تكشف عن “صدمة”، إذ تشير المؤشرات الأولية إلى أن نسبة المشاركة قد لا تتجاوز 25 إلى 30%، مرجعًا ذلك إلى غياب خطة دعائية فعّالة من قبل الحكومة ومفوضية الانتخابات، تحثّ المواطنين على تحديث بياناتهم الانتخابية والمشاركة الفاعلة في التصويت.
وأضاف “أحد أبرز أسباب العزوف عن المشاركة يعود إلى الأداء السيّئ لأعضاء مجلس النواب في الدورة البرلمانية الخامسة الحالية، إضافة إلى الفوضى في تشريع القوانين، وتجاهل رأي المواطن المعارض لبعضها بشكل صارخ.”
وبيّن الشمري “المرشح، حين يدخل البرلمان، غالبًا ما يبدأ بإمكانات مادية بسيطة، لكن بعد أشهر قليلة تبدأ ثروته بالتنامي بشكل لافت، حيث يمتلك سيارات فاخرة، وعقارات ضخمة، وحمايات ورواتب، ما رسّخ لدى غالبية أفراد الشعب العراقي قناعة بأن الهدف من الترشح هو التربّح غير المشروع لا غير.”
وفي ظل هذا الانقسام بين دعاة المشاركة ودعاة المقاطعة، يتوقع مراقبون أن تُجرى الانتخابات بهدوء، وبنسبة مشاركة مقبولة تمنح الفائزين شرعية كافية لتشكيل برلمان وحكومة جديدة.
تحرير: عبده جميل المخلافي