أمريكا والصين.. الحاجة المتبادلة قد تكبح حرب الرسوم الجمركية – DW – 2025/10/20

إنها صورة تعبر عن مزاج الكثير من الناس في الولايات المتحدة: في كيس بلاستيكي شفاف يوجد علم الولايات المتحدة، كتب عليه صنع في الصين.
إذا كان علم الولايات المتحدة يُصنع في الصين، كما توحي الصورة فإن هناك شيئا ما خاطئا، وهذا ما يعتقده أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لذلك فإنهم يدعون “الوطنيين” إلى مقاطعة البضائع الصينية.
ولكن هل تستطيع الولايات المتحدة تحمل ذلك؟ هل سيصبح تبادل البضائع: المعادن النادرة والهواتف الذكية المصنوعة في الصين وفول الصويا والرقائق الإلكترونية الفائقة المصنوعة في الولايات المتحدة شيئا من الماضي قريبا؟
التبعية المتبادلة
الإجابة هي “لا” خاصة بالنسبة للولايات المتحدة. “لا تزال التبعية المتبادلة بين الجانبين عالية جدا”، كما يوضح سكوت كينيدي، الخبير في الشؤون الصينية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في حديثه مع DW، ويضيف “على الرغم من المخاطر الأمنية الاقتصادية المختلفة لا يزال الجانبان يستفيدان بشكل كبير من العلاقات التجارية“.
لكن هذه العلاقات أبعد ما تكون عن التوازن. ففي السنوات العشر الماضية ارتفع العجز التجاري الذي تشكو منه الولايات المتحدة مع الصين من 295 مليار دولار إلى 382 مليار دولار . وفي عام 2024 صدرت الصين إلى الولايات المتحدة بضائع وسلع بقيمة 526 مليار دولار أمريكي أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما استودرته من الولايات المتحدة.
تُظهر الإحصاءات أن المنتجات الصينية أصبحت جزءا من الحياة اليومية للأمريكيين. فمن إجمالي 526 مليار دولار أمريكي من الواردات الصينية تبلغ قيمة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وحدها 127 مليار دولار. وبالتالي فإن زيادة الرسوم الجمركية ستؤثر على جميع العملاء في الولايات المتحدة.
رد حازم من بكين وقيود على الصادرات
تثير الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها ترامب غضب بكين. لكن على عكس أوروبا أو دول أخرى تظهر الصين ثقة بالنفس، فقد أعلنت أنها “ستقاتل حتى النهاية”.
وجاء في بيان رسمي صادر عن الصين في 13 أكتوبر/ تشرين الأول أن “التهديد بفرض رسوم جمركية عالية ليس الطريقة الصحيحة للتفاوض مع الصين. على الولايات المتحدة أن تعدل موقفها”. وقد ردت بكين بالفعل بفرض رسوم جمركية مضادة وقيود على الصادرات، بما في ذلك المعادن النادرة.
وتعتمد الولايات المتحدة على الواردات بنسبة تزيد عن 90 في المائة من هذه المعادن الهامة التي تُستخدم في صناعة السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأشباه الموصلات والتوربينات وفي الصناعة العسكرية، ويأتي أكثر من 80 في المائة منها من الصين، التي تسيطر على حوالي 60 في المائة من الإنتاج العالمي وحوالي 90 في المائة من عمليات التكرير.
فول الصويا من البرازيل بدلا من الولايات المتحدة
وليس هذا فقط، فحسب وزارة الزراعة الأمريكية لم تشترِ الصين منذ مايو/ أيار أي حبة فول صويا من الولايات المتحدة. في حين بلغت واردات الصويا من الولايات المتحدة إلى الصين عام 2024 حوالي 13 مليار دولار. وفي الوقت الحالي تشتري الصين الصويا من البرازيل والأرجنتين بدلا من الولايات المتحدة.
مقاطعة الصين لفول الصويا وفرض قيود على تصدير المعادن النادرة، جاء ردا على القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير الرقائق الإلكترونية والتي تم تشديدها مرارا منذ أكتوبر 2022. ويهدف ذلك إلى إعاقة وصول بكين إلى التكنولوجيا المتطورة وكبح تطورها في الذكاء الاصطناعي.
بالنسبة لخبيرة الشؤون الصينية كريستينا أوتي يكشف النزاع الجمركي بشكل خاص نقاط ضعف الولايات المتحدة، وتوضح يأنه “من المحتمل أن الولايات المتحدة تعتمد على الصين أكثر من العكس”. وتضيف لـ DW “لأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال سوقا مهمة للصين، إلا أن أهميتها تراجعت باستمرار منذ ولاية دونالد ترامب الأولى”.
آسيا أولا ثم الولايات المتحدة
الأرقام واضحة. حسب وكالة بلومبرغ الاقتصادية تمكنت الصين من تعويض تراجع صادراتها إلى الولايات المتحدة من خلال تحويلها إلى مناطق أخرى.
ففي الفترة من سبتمبر/ أيلول 2024 إلى سبتمبر 2025 زادت صادرات بكين إلى أفريقيا بنسبة 56 في المائة وإلى جنوب شرق آسيا بنسبة 16 في المائة وإلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 14 في المائة وإلى أمريكا اللاتينية بنسبة 15 في المائة.
“تقع الولايات المتحدة الآن خلف دول الآسيان وتقريبا على قدم المساواة مع الاتحاد الأوروبي كمنطقة مبيعات. في النصف الأول من عام 2025 انخفضت التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة بنسبة 10,4 في المائة مقارنة بالعام السابق”، حسب الخبيرة أوتي.
من ناحية أخرى، حسب أوتي “تقوم الشركات الصينية في الخارج بتوسيع إنتاجها لتزويد الولايات المتحدة كسوق للبيع من هناك. إذ يتم تحويل الصادرات على سبيل المثال عبر فيتنام وماليزيا”.
الانسحاب من سندات الخزانة الأمريكية
كما أن البيع المستمر للسندات الحكومية الأمريكية يظهر ابتعاد الصين عن الولايات المتحدة. فحسب بيانات البنك المركزي الأمريكي “الاحتياطي الفيدرالي” والكونغرس كانت الصين تمتلك في عام 2013 سندات خزانة أمريكية بقيمة 1,3 تريليون دولار. وفي مارس/ آذار من هذا العام بلغت قيمة السندات الحكومية الأمريكية التي تمتلكها الصين 765 مليار دولار فقط. وبذلك أصبحت الصين ثالث أكبر مالك أجنبي للسندات الحكومية الأمريكية بعد اليابان وبريطانيا.
العلاقات التجارية قوية ولن تنتهي بسهولة
على الرغم من هذا الابتعاد لا تزال الولايات المتحدة الصين. ويوضح الخبير في الشؤون الصينية سكوت كينيدي أن “الصين لا تزال تعتمد على الإمدادات الأمريكية في بعض المجالات مثل تكنولوجيا الطيران والرقائق عالية الأداء أو حتى مجال أشباه الموصلات”. وعلى الرغم من النزاع الجمركي لا تزال المنتجات الصينية جزءا لا يتجزأ من سلاسل التوريد الأمريكية.
لذلك فإن الهدف من الاجتماع المرتقب بين شي جين بينغ وترامبفي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في قمة APEC (التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ) في كيونغجو بكوريا الجنوبية هو تجنب الأضرار الناجمة عن دوامة الرسوم الجمركية المتسارعة.
وكينيدي متفائل بأنه “لا تزال العلاقات بين الولايات المتحدة والصين قوية. تشيميريكا، متضررة، لكنها لم تمت بعد ولا يمكن القضاء عليها بسهولة”.
أعده للعربية: م.أ.م
تحرير: عارف جابو
Source link