نهاية عمل بعثة “يونامي” بالعراق

لم يبقَ سوى أسابيع قليلة وستغادر البعثة الخاصة للأمم المتحدة في العراق البلاد نهائيًا. وقد عملت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) طيلة 22 عامًا في البلاد، منذ أن تم تأسيسها بعد فترة قصيرة من الغزو الأمريكي في عام 2003.
انسحاب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يمثل بداية فصل جديد يقوم على حق العراق في تقرير مستقبله بنفسه”، بحسب ما قال مؤخرًا الدبلوماسي العماني محمد الحسان، رئيس البعثة، خلال تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي آخر تقرير لبعثته.
ومن جانبها أعلنت الحكومة العراقية أنَّ هذه البعثة التي كانت مهمتها مساعدة وتقييم انتقال العراق إلى الديمقراطية لم يعد وجودها ضروريًا في الأراضي العراقية.
في عام 2024 طلبت الحكومة العراقية حل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”. وكذلك أكد متحدثون باسم الحكومة العراقية على أنَّ العراق يسعى إلى بناء علاقة جديدة ومتساوية مع الأمم المتحدة.
في صيف هذا العام، أغلقت بعثة “يونامي” مكاتبها في شمال العراق. ومن المقرر أن تغلق في نهاية هذا الشهر الجاري مكاتبها في بغداد ومناطق أخرى من العراق. وحتى أيلول/سبتمبر 2026 من المقرر تفكيك جميع منشآتها في العراق، كما أعلنت الأمم المتحدة.
القوات الأمريكية تنسحب تدريجيًا
كذلك ستنسحب القوات الأمريكية من العراق بحلول أيلول/سبتمبر 2026. فبعد الغزو الأمريكي للعراق تم نشر ما يصل إلى 200 ألف جندي هناك، غادر معظمهم العراق بحلول عام 2011. وعندما سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على أجزاء من العراق في عام 2014، عاد نحو 1500 جندي أمريكي من أجل دعم العراقيين في محاربة ذلك التنظيم الإرهابي.
في الصيف الماضي، نُقل إلى سوريا وكذلك إلى قاعدة في إقليم كردستان العراق شبه المستقل بعض الجنود الأمريكيين من بين نحو 2500 جندي أمريكي كانوا متمركزين في العراق. وفي هذا الصدد كتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مقال بصحيفة نيويورك بوست الشهر الماضي: “العراق اليوم لم يعد كما كان قبل 20 عامًا. وهذا التحول يمثل بداية عهد جديد”.
مستقبل العراق من دون بعثة “يونامي” والقوات الأمريكية
فهل يعني انسحابهم في الحقيقة عراقًا جديدًا يملك سيادته من دون تدخل دولي وبات يرحّب به بعض العراقيين؟ ربما يكون هذا مبالغًا فيه شيئًا ما، كما قالت لـDW فيرونيكا إرتل، رئيسة مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في الأردن. والانسحاب “ليس نهاية حقيقية، بل هو إعادة توجيه للتأثير الدولي، وخاصة للعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق”. وأضافت إرتل: “في حين أنَّ هذا يعتبر من ناحية إشارة مهمة للتخلص من الاحتلال والحرب، أدركت الكثير من الجهات العراقية الفاعلة أيضًا تأثير هذه القوات المسلحة في استقرار العراق”.
في تشرين الأول/أكتوبر 2025، اتّفق العراق والولايات المتحدة الأمريكية على عدم انسحاب جميع القوات الأمريكية؛ ومن المتوقع أن يبقى 250 إلى 350 فردًا من الجيش الأمريكي كمستشارين ومدربين في قاعدة أمريكية داخل كردستان العراق.
وهذا يعود إلى أنَّ المنطقة مضطربة الآن أكثر من أي وقت مضى، كما أوضح سياسيون عراقيون من بينهم السوداني. وسقوط الديكتاتورية في سوريا المجاورة أثار المخاوف من احتمال قيام تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي، الذي لا يزال لديه حتى 3000 مقاتل في العراق وسوريا، باستغلال الوضع الأمني هناك لإعادة تنظيم صفوفه. ويشكل أيضًا النزاع المستمر بين إسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط، من بينها إيران، وكذلك إجراءات إسرائيل ضد الميليشيات المدعومة من إيران، مصدر قلق للعراق.
وتوجد في العراق مجموعة من الميليشيات المدعومة من طهران. وبعضها يمارس تأثيرًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا. ومع أنَّ هذه الميليشيات لم تتدخل إلى حد كبير منذ بداية النزاع الأخير في غزة، لكنها تخشى الآن من أن تستهدفها إسرائيل أيضًا.
تعاون أمني مستمر
في أيلول/سبتمبر، كتب جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق لدى العراق، في تحليلٍ لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنَّ: “بعض أشكال التعاون الأمني ستظل عنصرًا أساسيًا في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، حتى لو كان ذلك يتعلق فقط بالحماية من انعدام الأمن المستمر في المنطقة”.
وفي هذه الأثناء، أعلن المسؤولون في بعثة “يونامي” عن نقل صلاحياتهم إلى فريق الأمم المتحدة المتمركز بالتوازي معهم في العراق. ويشمل هذا الفريق ممثلين من جميع المجالات تقريبًا، مثل رعاية الطفل والإسكان وحقوق الإنسان والهجرة وإزالة الألغام والتراث الثقافي والبيئة، وكذلك ممثلين عنمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي وصندوق النقد الدولي.
وفي بداية العام قال رئيس بعثة “يونامي”، محمد الحسان في حوار: “قد تنهي يونامي مهمتها في العراق، ولكن الأمم المتحدة لن تغادر العراق. والعراق لن يغادر الأمم المتحدة”.
ضغط مستمر من الولايات المتحدة الأمريكية
وعلى الأرجح فإنَّ تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون العراقية لن يتضاءل في المستقبل المنظور. وفي الواقع، يبدو أنَّ إدارة ترامب كانت تريد في الأشهر الأخيرة التأثير أكثر على الحكومة العراقية.
أما الحكومة العراقية فتحاول منذ سنين الحفاظ على توازن حساس بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. ولكن في الآونة الأخيرة زادت الحكومة الأمريكية الضغط على العراق من أجل الحد من النفوذ الإيراني، وخاصة فيما يتعلق بالميليشيات المدعومة من إيران.
وفي أيلول/سبتمبر، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف أربع من هذه الميليشيات كمنظمات إرهابية، وفرضت عقوبات على شركة قالت إنَّها مرتبطة بهذه الميليشيات. وبالإضافة إلى ذلك فقد هدّد سياسيون أمريكيون بفرض عقوبات أو قيود على شركة النفط الحكومية العراقية، التي تعتبر إيراداتها حيوية لاقتصاد العراق، وكذلك على البنك المركزي العراقي.
وحتى لو كانت لدى العراق رغبة في الانفصال تمامًا عن إيران فسيكون ذلك صعبًا، كما تؤكد فيرونيكا إرتل من مؤسسة كونراد أديناور، وتضيف: “حتى لو نجح العراق في الحد من قوة الميليشيات المرتبطة بإيران، فإنَّ تأثير طهران السياسي والاقتصادي والديني والثقافي في العراق لن يختفي ببساطة. وهذا يعني أنَّ الضغط الأمريكي له حدود. والسؤال هو: إن كانت هذه الحدود معترف بها في سياسة حكومة ترامب؟”
أعده للعربية: رائد الباش
Source link



