أخبار العالم

عام على الإطاحة بالأسد .. هل دخلت سوريا المدار الأمريكي؟ – DW – 2025/12/9

خلال عام مضى جاب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، البالغ من العمر 43 عاماً، عواصم كبرى مرتدياً بزات رسمية وربطات عنق ملوّنة، بعدما تخلى عن اسمه العسكري “أبو محمد الجولاني” وماضيه الجهادي.

عودة سوريا للمجتمع الدولي

نجح أحمد الشرع في إخراج بلاده من العزلة. وحظي بإعجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي شرّع له أبواب البيت الأبيض ووصفه بـ”صديق” و”رجل قوي”. وأزالت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات اقتصادية عن بلاده، بموازاة شطب اسمه عن قوائم الإرهاب الأمريكية وفي مجلس الأمن. وتحدّث الشرع في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك.

وتنقّل الشرع بين فرنسا والسعودية وقطر وتركيا. ووصل إلى موسكو، التي ساندت الرئيس المخلوع بشار الأسد، وسبق أن قصفت طائراتها مراراً معقل الشرع في إدلب.

ووقّعت دمشق التي زارها موفدون من أنحاء العالم، مذكرات واتفاقات استثمار بمليارات الدولارات في مجالات عدة بينها البنى التحتية والطاقة.

يقول كبير باحثي سوريا في “مجموعة الأزمات الدولية” نانار هواش: “بعد مرور عام على سقوط نظام الأسد، فتحت سوريا فصلاً جديداً ظنّ كثيرون أنه مستحيل، إذ بنيت علاقات دبلوماسية، وبدأت الاستثمارات تعود، وبدأت البلاد بالتخلّص من سنوات من العزلة”.

دمشق تحت “الاختبار” الغربي

منذ الأيام الأولى للإطاحة بنظام بشار الأسد، كشفت الإدارة السورية الجديدة عن بوصلة علاقاتها الخارجية. أولى التحركات باتجاه دمشق كانت من تركيا والسعودية وقطر والأردن. وثم من وزيري خارجية فرنسا وألمانيا، مبعوثين عن الاتحاد الأوروبي.

يرى الدكتور خطار أبو دياب، الباحث وأستاذ العلاقات الدولية، أن “دمشق تحت الاختبار الغربي؛ على الرغم من فتح الأبواب أمامها؛ لاعتبارات كثيرة كملف محاربة الإرهاب ووقف تدفق اللاجئين”.

ويتابع الخبير بشؤون الشرق الأوسط في حديث خاص بـ DW عربية: “بالمجمل يمكن القول إن إعادة تأهيل سوريا قد بدأت ووضعت على السكة، ولكن نحتاج بعض الوقت حتى نتبين وضع سوريا في المعادلات الإقليمية والدولية بشكل نهائي، ويتوقف ذلك على عوامل داخلية وخارجية”.

ومن جانبه، يقول نيك هيراس، المحلل بمعهد “نيو لاينز”: “يُحضر ترامب الشرع إلى البيت الأبيض ليدلي بإعلان هام وهو أن الشرع لم يعد إرهابياً … بل قائداً براغماتيا، والأهم من ذلك، مرنا، ومن شأنه أن يضمن بتوجيه أمريكي وسعودي، أن تشكل سوريا حصناً استراتيجياً في المنطقة لعقود مقبلة”.

من جهته يريد الشرع “مباركة ترامب لضمان تدفق مليارات الدولارات إلى دمشق، لبدء إعادة تأهيل سوريا ولترسيخ سيطرته على البلاد إلى أجل غير مسمى، في آن معاً”. وقدر البنك الدولي تكلفة إعادة إعمار البلاد بحوالي 216 مليار دولار.

وتحدثت تقارير عن نية “الولايات المتحدة انشاء قاعدة عسكرية في مطار المزة العسكري في دمشق، من أجل تنسيق المساعدات الإنسانية ولمراقبة الوضع بين سوريا وإسرائيل”.

ويرى الكاتب الصحفي إبراهيم الجبين في حديث أدلى به لـ DW عربية أن “سوريا اُختطفت لعشرات السنوات من مسارها الطبيعي كنقطة للتجارة الحرة المفتوحة بين الشرق والغرب (طريق الحرير على سبيل المثال) وأن سوريا تناسبها القيم الغربية: السوق المفتوحة والحرية والديمقراطية. والتحول إلى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة هو تصحيح للمسار وعودة للأصل”.

سوريا بين الشرق والغرب

دخلت سوريا تدريجياً في المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً منذ منتصف الخمسينات، فيما عرف بصفقة الأسلحة التشيكية في أيام حكومة خالد العظم قبل الوحدة السورية المصرية. ومن ثم توطدت العلاقة أيام حكم البعث على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. وتوجت بمعاهدة الصداقة السورية السوفياتية عام 1980، ولكن حافظ الأسد أبقى “شعرة معاوية” مع الغرب ووصلت العلاقات في بعض الأحيان إلى التعاون الوثيق، كما حدث مع دخول الجيش السوري إلى لبنان 1976، وانخراط دمشق في التحالف الدولي بقيادة واشنطن لإخراج صدام حسين من الكويت، والشروع في عملية سلام مع إسرائيل في التسعينيات. وفي محطات أخرى شهدت علاقات دمشق مع الغربي الأوروبي-الأمريكي توترات شديدة وصلت إلى حد قطع العلاقات وفرض العقوبات.

وكانت موسكو داعماً أساسيا للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على امتداد حكمه الذي استمر ربع قرن. وبعدما ساندته دبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي إثر اندلاع النزاع عام 2011، تدخلت قواتها عسكرياً لصالحه بدءاً من العام 2015 وساهمت، خصوصاً عبر الغارات الجوية، في قلب ميزان القوى لصالحه على جبهات عدة في الميدان. وفرّ الأسد إلى روسيا بعد الإطاحة به ويقيم هو وعائلته ومقربون منه في موسكو منذ ذلك الوقت.

وزار الرئيس السوري أحمد الشرع موسكو في منتصف تشرين الأول/أكتوبر والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعهد بالالتزام بجميع الاتفاقيات الموقعة سابقاً بين البلدين، في إشارة على ما يبدو إلى القاعدتين العسكريتين الروسيتين الرئيسيتين في سوريا: البحرية في طرطوس والجوية في اللاذقية. وأكد الشرع لبوتين أن دمشق تريد إعادة تعريف العلاقة مع موسكو، بينما تحدث بوتين عن “علاقات عميقة جداً مع الشعب السوري” تمتد “على مدى عقود”.

هل يمكن أن تكون سوريا صديقاً للجميع؟

يحث الكاتب الصحفي إبراهيم الجبين الحكم الجديد على الاستفادة من تجارب الجوار: “علينا ألا ننسى درس تركيا التي وجدت نفسها مضطرة لإقامة توازن ما لعلاقاتها بين موسكو والغرب، على الرغم من كونها عضواً مؤسساً بحلف الناتو. وهذا منحها دوراً جديداً وقدرة على المناورة وحتى عاد بفائدة على الحلف في حلحلة بعض العقد مع موسكو”.

ويضيف الجبين: “هناك مثلا السعودية التي بعد عشرات العقود من التحالف مع الغرب انفتحت على روسيا والصين”.

ويخلص الكاتب الصحفي إلى أن “العالم لم يعد يحتمل الأحادية القطبية الفظة”. ويعتقد أن “سوريا صالحة لتكون جسرا بين الشرق والغرب ونقطة التقاء للجميع”. بيد أنه يستدرك: “أن تكون صديقاً للجميع بنفس الدرجة غير ممكن في عالم السياسة”.

قبل حوالي شهر وفي أول زيارة رسمية له إلى الصين، تعهد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بـ”ألّا تسمح” بلاده بأي نشاط يضر الأمن القومي الصيني. بينما وعد نظيره الصيني وانغ يي بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا. ويشكل موضوع المقاتلين الإيغور، الذين يقدر عددهم بأربعة آلاف، ملفا شائكا بين البلدين.

ومن طرفه، يجزم خطار أبو دياب، الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية، أنه “بعكس الوضع أيام الأسدين، ستكون سوريا في المحور الغربي، الأمريكي-الأوروبي، وحلفائه من العرب وتركيا، ولكن ستبقى الباب موارباً مع روسيا والصين، ولن تكون هناك قطيعة معهما”.

بين “محور الاعتدال” وإسرائيل و”محور المقاومة”

استغل الشرع الضربات الإسرائيلية على حزب الله وإيران وميلشياتها في سوريا بعد نشوب حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليشن هجومه الخاطف الذي أطاح بالأسد. وتولت تركيا و”محور الاعتدال” العربي بقيادة السعودية وقطر مهمة دعم النظام الجديد وتقديمه للمجتمع الدولي.

ولكن تبقى أحد أعقد العقد العلاقة مع إسرائيل، التي تنظر بعين الريبة للشرع بسبب ماضيه الجهادي. فبعد ساعات من سقوط بشار الأسد أطلقت إسرائيل عملية “سهم باشان”، والتي ما زالت مستمرة، دمرت خلالها معظم ما تبقى من سلاح الجو والصواريخ والبحرية السورية، واحتلت أراضي جديدة في محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق، منتهكة اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974. كما تذرعت إسرائيل بحماية الدروز وقصفت قلب دمشق. ولم تسفر جهود عن توقيع اتفاقيات سلام أو ترتيبات أمنية.

ويقول الباحث في العلوم السياسية في جامعة تورونتو جمال منصور إن “إسرائيل التي ترغب بدورها بتكريس منطقة خالية من السلاح تصل تخوم دمشق، وتتوغل قواتها بشكل يومي في عمق سوريا، تشكل تحدّياً آخر لسلطة الشرع”.

ويرى منصور أن إسرائيل تضع الشرع في “وضع حرج”، مع مواصلة ضغطها و”التمادي في هجماتها وفي عرض عضلاتها وقوتها”.

ورغم غياب العلاقات الدبلوماسية وبقاء حالة الحرب بين البلدين منذ عقود، خاض الطرفان جولات تفاوض مباشر على مستوى وزاري برعاية أمريكية، لكن من دون أن تسفر عن توقيع اتفاقية سلام أو التوصل لترتيبات أمنية.

وأكد الشرع في منتدى الدوحة الأسبوع الماضي وجود مفاوضات بمشاركة واشنطن ودعم دولي لمعالجة المخاوف الأمنية، متسائلاً: “سوريا هي التي تتعرض إلى هجمات من إسرائيل، فمَنْ الأولى أن يطالب بمنطقة عازلة وانسحاب؟”.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى