الأقليات في العراق.. غياب الثقة ورمزية الحضور في البرلمان – DW – 2025/11/4

يبلغ عدد مقاعد النواب في البرلمان العراقي 329 مقعدا، من بينها 9 مقاعد مخصصة للأقليات، تتوزع على النحو التالي: 5 مقاعد للمسيحيين (في بغداد، نينوى، كركوك، دهوك، وأربيل)، ومقعد واحد لكل من: الإيزيديين (في نينوى)، والصابئة المندائيين (في بغداد)، والشبك (في نينوى)، والكرد الفيليين (في واسط). في هذا التقرير نستعرض وجود هذه الأقليات في العراق ودورها وتأثيرها في القرار السياسي.
لا توجد نسبة دقيقة موحدة للأقليات بسبب التحديات في الإحصاءات السكانية الحديثة، غير أن التقديرات تشير إلى أن الأقليات العرقية والدينية تشكل حوالي 5 إلى 10 بالمئة من السكان.
رغم ذلك يرى البعض أن عدد المقاعد المخصصة للأقليات أكثر من حصتها الحقيقية، والسبب أن بعضها قد هاجر إلى الخارج حتى أن نسبة المغتربين منهم بلغت 90 بالمئة. ولم يتبق إلا القليل منهم داخل العراق، بحسب ما يقولالدكتور سعد سلوم، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية والمتخصص بشؤون الأقليات. ويضيف بأننا لو حسبنا نسبة من يعيش منهم في الخارج فإن المعادلة ستتغير تماما، “فإذا أردنا قياس مدى الفاعلية لهذه الأقليات في صنع القرار الوطني أو تشكيل كتل تفاوضية داخل البرلمان بحيث تستطيع أن تعمل على حقوق الأقليات لا سيما الحقوق الأساسية كالحريات الدينية والحق في الهوية والسيطرة على الأراضي التاريخية، فإن الصورة ستبدو مختلفة تماما. مشاركة الأقليات في البرلمان العراقي هي مشاركة رمزية وغير فعالة”، محذرا من “بتر هذا الجزء المهم من المجتمع العراقي”.
أهمية الأقليات في النظام الديمقراطي
يرى منظرو العلوم السياسية أن واحدا من أهم شروط الديمقراطية الحقيقية ليس حكم الأكثرية، بل الحفاظ على حقوق الأقليات. “وهو شرط من شروط العدالة السياسية كما يرى جون رولز مثلا”، يضيف سلوم.
ولأن عدد المقاعد المخصصة للأقليات هي مقاعد “يتيمة”، ممثلة بمقعد واحد لكل من الشبك والكرد الفيليين والصابئة والإيزيديين، فإن المنافسة على مقعد واحد ستكون صعبة ولا تمثل وجهة نظر المجتمع. يوضح الدكتور سلوم: “حين نبحث عن مجتمع الشبك، ليس من الضرورة أن يكون هذا المجتمع واحدا يبحث عن مرشح واحد بل فيه تنوع. وكذا هو الأمر مع الأقليات الأخرى”. ومقارنة بالمجتمع المسيحي في العراق فهو ممثل بخمسة مقاعد، وهذا العدد ربما يساعد في “تمثيل المكون المسيحي بشكل أفضل خصوصا وأنه مكون من 14 طائفة معترف بها بالقانون”، بحسب الدكتور سلوم. يشار إلى أن هناك محددات كبيرة مثل الكلدانية والآشورية والسريانية، في داخلها هناك تنوع سياسي مختلف.
مجتمع الدياسبورا
طالما حذرت منظمات دولية ومحلية من خطورة إفراغ العراق من المكونات الصغيرة، لأن العراق كان يمثل فسيفساء في تنوعه الديني والمذهبي والقومي. لكن الحروب المتتالية وخصوصا مرحلة ما بعد عام 2003، والحرب الأهلية خصوصا في عام 2006 ومن ثم سيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة العراق بالأخص في المناطق التي كانت تقطنها أقليات مسيحية وإيزيدية في سهل نينوى، دفعت الأقليات للبحث عن ملجأ في الخارج. يقول الدكتور سلوم إن 80 بالمئة من المسيحيين يعيشون في الخارج و90 بالمئة من الصابئة وجدوا لهم موطنا خارج وطنهم الأم. كما أن نسبة الإيزيديين الذين يعيشون في المهجر تبلغ بحسب تقديراته 30 بالمئة. ويرى الدكتور سلوم أن حضور هذه الأقليات في المنتديات الدولية مهم جدا ويشكل امتدادا للوطن الأم. إذ يشار إلى أن كثيرا من أفراد الأقليات التي تعيش في الخارج كونت مهارات ودخلت في دوائر قرار مهمة في الدول التي انتقلت للعيش فيها. يطلق عليها الدكتور سلوم “دبلوماسية الدياسبورا”.
الأقليات تحمل السلاح
بعد اجتياح تنظيم داعش الإرهابي للموصل تشكلت فصائل للدفاع من أبناء الأقليات للدفاع عن نفسها، بين الطائفة الكلدانية تشكل “لواء 50 ” أو ما يعرف بـ “كتائب بابيلون” بقيادة ريان الكلداني، تحت مظلة الحشد الشعبي الذي نشأ بعد فتوى الجهاد الكفائي التي صدرت من السيد السيستاني في 13 حزيران/ يونيو 2014، داعياً العراقيين على مختلف معتقداتهم للتصدي لمقاتلي تنظيم “داعش” الذي سيطر على مناطق واسعة في غرب وشمال العراق.
وكان هدفها تلك الفصائل الدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته. لكن حمل السلاح من قبل الأقليات في العراق والتنظيم في ألوية عسكرية مقاتلة ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي، كان السبب في ظهورها هو ضعف مؤسسات الدولة العسكرية بعد اجتياح داعش لمناطق من العراق تقطنها الغالبية من السنة. الشيء نفسه ينطبق أيضا على أقلية الشبك التي شكل أفراد منها “اللواء 30” في الحشد الشعبي.
غير أن نهاية داعش لم تدفع هذه الألوية العسكرية كلها لترك السلاح، بعضها عاد إلى الحياة المدنية من دون سلاح بعد هزيمة داعش، وبعضها لايزال متمسكا بحمل السلاح إما لأغراض سياسية واقتصادية أو بسبب انعدام الثقة بين مكونات المجتمع العراقي. ومثال على ذلك “كتائب بابيلون” الكلدانية، التي ليست على وفاق مع البطريركية الكلدانية في العراق، ما تسبب بشرخ سياسي ومجتمعي داخل المكون الكلداني. يقول الدكتور سلوم : “نحن في عصر غياب الثقة المجتمعية. وتنعكس على مستويات كثيرة، الثقة الأفقية تعرضت لضربات بسبب داعش، ولم يتم محاولة إعادة بنائها من جديد”. ثم يشير إلى أن “الثقة العمودية بين الفرد والسلطة غائبة أيضا، والدليل هو العزوف عن المشاركة في الانتخابات، لأن المقاطعة هي خيار يعبر عن عدم الثقة”. والتحدي القائم هو ترميم الثقة المجتمعية بين مكونات الشعب العراقي والثقة السياسية أيضا. و “هي أهم من الانتخابات نفسها”.
مناطق توزع الأقليات في العراق
يسكن المسيحيون تاريخيا في سهل نينوى وأربيل ودهوك وداخل الموصل وكركوك، وهناك أعداد كبيرة من الأسر المسيحية سكنت بغداد وكذلك جنوب العراق خصوصا في محافظة البصرة. بل إن هناك أسر مسيحية عاشت منذ مئات السنين في ميسان وهي مدينة جنوبية يغلب عليها الطابع العشائري، وكانوا يتمتعون بتقدير كبير من جيرانهم وبحماية المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها. يصل عدد المسيحيين، بحسب الموقع الرسمي للبطريركية الكلدانية نحو نصف مليون نسمة. يشار إلى أنه لا توجد إحصائية رسمية يمكن الاعتماد عليها، بل هي أرقام تقديرية. غير أن نسبة كبيرة من مسيحيي العراق قد غادرت فعلا إلى أوروبا والولايات المتحدة مع عدد قليل جدا إلى دول شرق أوسطية.
الصابئة .. أقدم الأقليات
الصابئة المندائيون من أقدم الديانات في العراق، وبحسب مصادر من الطائفة تصل جذورها لنحو سبعة آلاف عام داخل بلاد الرافدين، و”كلمة الصابئة مشتقة من “صبا” بمعنى انغمس أو غطس، فيما تفسر المندائي بالمعرفة، فيطلق عليهم اسم العارفين بدين الحق أو المتعمدين”، بحسب موقع روداو.
يقدر عدد من بقي منهم في العراق حالياً بنحو 40 – 50 ألفا ، ينتشرون في محافظات عدة، منها البصرة وميسان وذي قار والديوانية وواسط والأنبار وديالى وبغداد وكركوك وأربيل ونينوى. فيما يقدر عدد من هاجر منهم إلى خارج العراق بين 250 و300 ألف فرد.
الكرد الفيلية.. بين القومية والمذهب
الكرد الفيليون يقدر عددهم بمليون ونصف، وهم مسلمون شيعة جعفرية يتكلمون الكردية. عانوا الأمرين خلال حكم البعث فجرى التنكيل بهم واعتقال كثيرين منهم بداع أنهم إيرانيو الأصل، وجرى تهجير آلاف الأسر منهم وتركهم على الحدود مع إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية. يقطنون بشكل أساسي في المناطق الحدودية بين العراق وإيران، وتحديداً في شرقي العراق في محافظات مثل بغداد وديالى وواسط، بالإضافة إلى مناطق في محافظتي السليمانية وحلبجة بكردستان العراق. ويوجد قسم آخر من الأكراد الفيليين في المناطق الغربية من إيران.
الشبك.. شيعة وسنة
أما الشبك فهم أقلية يقول البعض أن جذورهم تركمانية وآخرون يدعون أنهم عربا، ورأي ثالث يقول إنهم من أصول كردية. فيسكنون في سهل نينوى في شمال العراق، وتحديداً في المناطق الواقعة شرق مدينة الموصل. ويشكلون مجتمعاً يقطن في العديد من القرى، ويمتد تواجد معظمهم في أقضية ونواحي مثل الموصل، الحمدانية، تلكيف، وبعشيقة. في حوار سابق مع DW عربية قال الناشط الشبكي يوسف محرّم “هم أقلية قومية، لهم لغتهم الخاصة التي تنحدر من أصول هندو أوروبية، ولهم ثقافة وعادات وتقاليد تختلف عن العرب وعن الكرد وعن التركمان، لكنهم جميعا مسلمون ولا يوجد بينهم من يدينون بغير الإسلام دينا، 80 % منهم شيعة والباقي من السنة”.
أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد
عانى الأيزيدون من احتلال داعش لمناطقهم في عام 2014 وتعرضوا للقتل والتنكيل والسبي. حتى أن البرلمان الألماني اعتبر ما تعرض له الإيزيديون من قبل تنظيم داعش الإرهابي في العراق إبادة جماعية. يعيش الأيزيديون في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، وبالإضافة غلى العراق يتوزعون بين تركيا وسوريا وأرمينيا وجورجيا، وهاجر كثيرون منهم إلى أوروبا بعد استيلاء تنظيم داعش على مناطقهم في سنجار شمال العراق. يتركز معظمهم في محافظتي نينوى ودهوك. يتكلم الإيزيديون الكردية لهجة الكرمانجية، يبلغ عددهم نحو مليون نسمة، أكثر من نصفهم كانوا يعيشون في العراق حيث المناطق المقدسة لهم.
تحرير: عارف جابو
Source link



