هل يستطيع الغرب كسر احتكار الصين إنتاج المعادن النادرة؟ – DW – 2025/11/2

تهيمن الصين على ما يعرف بالمعادن الأرضية النادرة التي تستخدم بشكل أساسي في كثير من الصناعات، إذ تسيطر على ما يقرب من 70 بالمئة من التعدين العالمي، وتنتج ما يصل إلى 90 بالمئة من المعادن الأرضية النادرة المُعالجة في العالم.
وهذا ما يجعل سلاسل التوريد العالمية في القطاعات الاستراتيجية، مثل الطاقة والسيارات والدفاع ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، “عرضة لاضطرابات محتملة، بحسب تقرير نشرته وكالة الطاقة الدولية في أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
وفي وقت سابق من هذا الشهر شددت بكين الرقابة على توريد المعادن الأرضية النادرة، واعتباراً من 1 ديسمبر/ كانون الأول ستحتاج الشركات الأجنبية في جميع أنحاء العالم إلى موافقة الحكومة الصينية لتصدير المنتجات التي تحتوي، ولو على كميات ضئيلة، من المعادن الأرضية النادرة، التي منشأها الصين أو المُصنّعة باستخدام التكنولوجيا الصينية.
أتت هذه الخطوة رداً على توسيع الولايات المتحدة قائمة الشركات الصينية الممنوعة من الحصول على رقائق أشباه الموصلات الأمريكية المتطورة إلى جانب تقنيات أخرى.
قرار الصين أثار مخاوف من نقص الإمدادات، مما قد يؤثر على إنتاج المركبات الكهربائية، والمعدات الدفاعية، وأنظمة الطاقة المتجددة وغيرها.
إجراءات بكين الأخيرة وُصفت بأنها عدوانية للغاية” و”غير متناسبة” من قبل الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون غرير، في حين وصفها مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، بأنها “غير مبررة وضارة”.
والآن تُجري الولايات المتحدة وأوروبا محادثات مع الصين لضمان توفير إمدادات كافية من المعادن الأرضية النادرة لشركاتهما.
ما أهمية المعادن الأرضية النادرة؟
تُستخدم المعادن الأرضية النادرة في إنتاج منتجات عالية التقنية، بما في ذلك الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والسيارات الهجينة، وتوربينات الرياح، والخلايا الشمسية.
يضاف إلى ما سبق تطبيقات مهمة في قطاع الدفاع مثل محركات الطائرات المقاتلة، وأنظمة توجيه الصواريخ، وأنظمة الدفاع الصاروخي، والأقمار الصناعية الفضائية، وأنظمة الاتصالات.
ومع ذلك هذه المعادن الأرضية ليست نادرة حقاً، وإنما توجد بكميات كبيرة في قشرة الأرض، لكن نادراً ما توجد بتركيزات عالية بما يكفي لجعل استخراجها مجدياً اقتصادياً.
ومع أنها لا توجد في الصين فقط، إلا أن الصين تحتكرها بشكل شبه كامل، خاصة في معالجة المعادن الأرضية النادرة الثقيلة. وبحسب شركة بنشمارك إنتليجنس للمعادن Benchmark Mineral Intelligence، ومقرها المملكة المتحدة، فإن الشركات الصينية تقوم بمعالجة 99 بالمئة من المعادن الأرضية النادرة الثقيلة.
المعادن النادرة قوة بيد الصين
كانت الولايات المتحدة في السابق مكتفية ذاتياً من المعادن النادرة، ولكن على مدار العقدين الماضيين، برزت الصين كلاعب مهيمن، خاصة قبل عقد من الزمن.
وطالما شكّ الكثيرون من استخدام الصين للمعادن النادرة كورقة ضغط في نزاعاتها الجيوسياسية، وهو بالفعل ما فعلته مع اليابان والولايات المتحدة في وقت سابق.
في ذروة النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين عام 2019، خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، أشارت وسائل الإعلام الرسمية الصينية إلى احتمال وقف صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة رداً على الإجراءات الأمريكية. ووصف الرئيس الصيني شي جينبينغ هذه العناصر آنذاك بأنها “مورد استراتيجي مهم”.
والجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على المعادن النادرة الصينية ما زالت مستمرة لكنها لم تثمر بعد؛ إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز إنتاج المعادن النادرة لمواجهة هيمنة الصين وتقليل اعتمادها عليها، ومع ذلك يقول خبراء إن التحدي الحقيقي يكمن في زيادة طاقة التكرير والمعالجة.
يقول كارل فريدهوف، الخبير في “مجلس شيكاغو للشؤون العالمية” CCGA، في مقال نُشر في 16 أكتوبر/تشرين الأول: “أول ما يتعين على الولايات المتحدة فعله هو إعطاء الأولوية للمرحلة الوسطى، أي المعالجة والتكرير”. وأضاف: “بدون السيطرة على المرحلة الوسطى، يكون لدينا المعادن الخام، ولكن لا يزال يتعين علينا إرسالها إلى الصين للمعالجة”، مشدداً على ضرورة بناء مصانع معالجة ومصافي في دول أخرى، وهو ما يسبب مشاكل كبيرة، لا سيما على البيئة.
تحديات معالجة وتكرير المعادن الأرضية النادرة
تكبدت الصين خسائر بيئية واجتماعية باهظة نتيجةً لهيمنتها على إنتاج المعادن النادرة، فالتعدين يُشكل مخاطر على البيئة وصحة الإنسان بسبب احتواء جميع خامات المعادن النادرة على عناصر مشعة مثل اليورانيوم والثوريوم الملوّثة للهواء والماء والتربة والمياه الجوفية.
كما أن بناء منشآت معالجة تتوافق مع اللوائح البيئية الصارمة للدول الغربية يمثل تحدياً آخر، وهو ما قد يكون أكثر تكلفةً واستهلاكاً للوقت، وبالإضافة إلى ذلك، تستهلك معالجة المعادن النادرة كميات هائلة من الطاقة والمياه، مما قد يُؤدي إلى مقاومة شعبية في المناطق التي قد تقام فيها هذه المنشآت.
وبغض النظر عن التحديات البيئية والاجتماعية لدى الصين خبرة طويلة في معالجة المعادن الأرضية النادرة، فهي عملية معقدة للغاية، تحتاج إلى قوى عاملة مدربة ونظام بيئي-صناعي يصعب على الآخرين محاكاته، وهو ما تمتلكه الصين بالفعل، وتفتقر له بعض الشركات الغربية بسبب محدودية قدراتها العاملة، وقدرات البحث والتطوير، واللوائح البيئية وفق تقرير لـ”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأمريكي (CSIS).
ما الحلول؟
نصح مؤلفو تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الولايات المتحدة بوضع استراتيجية بتكوين خبرات تقنية في مجال استخراج وإنتاج وتكرير المعادن الأرضية النادرة وإنشاء مراكز معالجة، وهو ما يتطلب “أكثر من مجرد تأمين المواد الخام بأسعار تنافسية” ليصبح فعالاً من حيث التكلفة. وأشاروا إلى أن ذلك “يتطلب أيضاً وصولاً موثوقاً به إلى طاقة منخفضة التكلفة، وبنية تحتية فعالة للنقل، وتقنيات معالجة متقدمة، وقوى عاملة ماهرة وبأسعار معقولة”.
وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من اتخاذ كافة التدابير اللازمة، يتوقع خبراء أن تستمر هيمنة الصين على القطاع في المستقبل القريب.
أعدته للعربية: ميراي الجراح
Source link



