اخبار السودان

عثمان ميرغني يكتب لا خير فينا ان لم نقلها

‏بكل يقين الشعب السوداني مطمئن لجيشه تماما، لكنه ليس مطمئنا لمنهج الادارة السياسيّة السيادية للبلاد.
الفاشر ستعود إلى حضن الوطن ما في ذلك شك كما عادت الخرطوم و ومدني و سنار. الجيش السوداني قادر على مهامه العسكرية و تعرض لاختيارات كثيرة طوال عمره المئوي، خرج منها كلها ظافرا منتصرا. ولكن الذي يدعو للقلق حقا هو الطريقة التي تدار بها البلاد في قمة رأسها، مجلس السيادة عامة ورئيسه البرهان خاصة.

نحن المدنيين لا يحق لنا ان نتدخل مطلقا في التقديرات العسكرية، هذا شأن متخصص له رجاله وخبراؤه، لكن في المقابل ادارة البلاد في مساقها السيادي والتنفيذي والسياسي ليست فوق النقد.

رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان يحتكر القرار في دائرة ضيقة قطرها رجل واحد، يحرم نفسه من توسيع دائرة النظر وصناعة القرار فيدفع الثمن الوطن كله جراء الأخطاء الفادحة الناتجة عن ضيق ماعون صناعة القرار.

العمل العسكري مسار مواز تماما للعمل السياسي والتنفيذي. يحسن الجيش أداء مهامه العسكرية ويتوقع ان يتضافر مجهوده مع المسار الموازي.. لكن عندما تضعف هياكل الدولة عن اداء واجباتها و تفترض ان الحماس والهتاف وحده هو دعمها للجيش. فذلك اقرب للخذلان والتقاعس الخطير..

النظم الدفاعية للدول في العصر الحالي أشبه بشركات التأمين. تتشابك رأسيا لتوفر التأمين المباشر بصورة متصاعدة، كلما ارتفع التعويض والمطالبة، تدرج التأمين الى أعلى بإعادة التأمين عند شركة أكبر واقوى عودا، هي الأخرى تحتاط بإعادة التأمين في شركة أخرى أكبر واقوى وهكذا. و عند الطلب يتوزع الجهد التأميني على كل هذه المنظومة التأمينية فتنتفي مخاطر سداد التعويضات المطلوبة مهما تفاقمت فواتيرها.

كذلك تأمين الدول عسكريا، يتولى الجيش الوطني تأمين المخاطر في حدود وقدر مدروس مسبقا ومعلوم لقيادة الدولة. وكلما واجهت الدولة مزيدا من التحدي العسكري استعانت بقوة عسكرية أعلى، بصورة متدرجة تتيحها علاقات ثنائية بين الدول وتحالفات متعددة الأطراف ان لزم الأمر.

طبيعة الحروب في عالم اليوم قصيرة المدى، لكنها ان استطالت دخلت فيها شراكات أخرى . و لا تتحمل دولة بمفردها تكاليف مادية وبشرية بصورة مفتوحة بلا حدود.

السودان دولة موفورة الموارد والثروات بما يمكنها من تمتين الروابط مع الدول الأخرى و صناعة دوائر دفاعية تضمن مواجهة المخاطر مهما اشتدت قوتها أو ظال ليلها.

في حروب الشرق الاوسط، كانت دائما تدير اسرائيل معاركها بقدر معلوم لا يتخطى اسبوعا ، ثم تستعين بقوة عسكرية اعلى مثل الولايات المتحدة الامريكية ، كما حدث في حرب اكتوبر 1973 عندما شعرت بخطر امتداد المعارك تدخلت امريكا، وقال الرئيس السادات كلمته الشهيرة ( ليس لدينا رغبة الدخول في معركة ضد امريكا).

في الحرب الاخيرة بين إسرائيل وايران عندما خرجت عن حدود السبعة ايام التي تسعها المقدرات العسكرية لاسرائيل، احالت المعركة الى شركة اعادة التأمين؛ الولايات المتحدة الامريكية.

في روسيا و اوكرانيا نوزعت فاتورة التأمين والمخاطر على دول كثيرة تقف خلف الطرفين.

السودان ظل بواجه خطرا متصاعدا على بقائه و استطال الأمد ليزيد من الخطر و فاتورة تعدت كثيرا قدرات الدولة السودانية.. ولكن السودان يقف كالسيف وحده… معزولا عن شركاء التأمين واعادة التأمين.

هذه العزلة سببها الرئيس منهج ادارة البلاد.. الذي يصل حد ( دس المحافير) حتى للدول التي ترغب في المساعدة،
افراغ هياكل الدولة السودانية والامعان في اضعافها رغبة في احكام السيطرة الفردية على السلطة والقرار.. اصبح مهددا حقيقيا لا يقل عن مهددات الحرب.

الآن التهديد الذي يواجه السودان ليس عسكريا محضا بل في غياب الدولة وتفاقم ضعفها وإضعافها.

جريدة التيار

تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى