انفلات العنف والانتهاكات من كل عقال؟ – DW – 2025/10/29

يُحاصر حوالي 260 ألف مدني في مدينة الفاشر غرب السودان، نصفهم أطفال، معزولين عن العالم الخارجي. ويتناول الآلاف منهم علف الحيوانات من شدة الجوع بحسب شهود عيان.
يوم الاثنين الماضي (27 تشرين الأول/أكتوبر 2025)، دقّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ناقوس الخطر، مُحذّراً من “تصعيد مُريع” للقتال في المدينة التي تُعاني من المجاعة، وذلك عقب سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر يوم الأحد، وقال غوتيريش إن الاستيلاء على المدينة يُمثّل “تصعيداً مُروّعاً” للصراع، وأضاف: “إن مستوى المعاناة الذي نشهده في السودان لا يُطاق”.
في غضون ذلك، ووفقًا لجمعية الصحفيين السودانيين، قُطعت جميع الاتصالات في المدينة، بما في ذلك شبكات الأقمار الصناعية.
مخاوف من تفاقم جديد للوضع
وقوع الفاشر تحت سيطرة قوات الدعم السريع يثير مخاوف خبراء من تصعيد الوضع، مصحوباً بعنف واسع النطاق ضد السكان المدنيين المحاصرين. تقول مارينا بيتر، رئيسة المنتدى الألماني للسودان وجنوب السودان، في مقابلة مع DW: “منذ أشهر، يعاني المدنيون، وكذلك جنود القوات المسلحة السودانية المحاصرون هناك، من قلة الحاجات الأساسية. منذ أسابيع، يحاول المدنيون المحاصرون مغادرة المدينة. منذ أن اتضح أن قوات الدعم السريع قادرة على السيطرة على المدينة بالكامل، تزايدت محاولات الفرار مجدداً”.
وأضافت مارينا بيتر: “مع أن بعض الأشخاص تمكنوا من الفرار حتى وقت قريب، إلا أن آخرين أُطلق عليهم النار أثناء محاولتهم الفرار”. وأفادت أنه تم اعتقال المزيد من الأشخاص. وقالت: “نخشى الآن وقوع عمليات إطلاق نار جماعي، واغتصاب، وتفاقم المجاعة. وفقاً لمصادرنا في المدينة، يموت ثلاثة أطفال في المتوسط كل ساعة”.
صراع مفتوح على السلطة
الصراع في السودان بدأ عقب نهاية حكم الرئيس عمر البشير عام 2019، الذي استند في سلطته إلى الجيش الرسمي الذي يسمى أيضاً القوات المسلحة السودانية وتخضع الآن لقيادة الحاكم الفعلي للسودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان.
في الوقت نفسه اعتمد البشير أيضاً على عدة ميليشيات تابعة للجيش، بما في ذلك ما يسمى بقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”.
وحالها حال القوات المسلحة السودانية اندمجت مجموعة دقلو في مجلس انتقالي بقيادة مدنية تأسس بعد الإطاحة بالبشير، ولكن في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021 نفذت الجماعتان انقلاباً عسكرياً، وأصبح حميدتي نائباً للبرهان. وبعد ذلك، اختلف القائدان على هيكلية وهرمية الجيش المشترك المزمع تشكيله، ورفض حميدتي دمج ميليشياته في الجيش الوطني. وهو ما أدى إلى صراع مفتوح بين الطرفين على السلطة في أبريل/ نيسان 2023، لتعيش البلاد حالة حرب منذ ذلك الوقت.
قتل واغتصاب ونهب
انبثقت قوات الدعم السريع مما كان يُعرف باسم “الجنجويد”، وهي ميليشيات عربية استخدمها الرئيس المخلوع عمر حسن البشير في بداية الألفية الجديدة لمواجهة جماعات متمردة ذات أغلبية أفريقية سوداء مثل جيش تحرير السودان (SLA) وحركة العدالة والمساواة في غرب دارفور (JEM). في ذلك الوقت استخدمت الميليشيات أقصى درجات العنف، بما في ذلك ضد المدنيين.
وذكر تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان في يونيو/حزيران من هذا العام “استهدفت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها المدنيين على نطاق واسع بناء على عرقهم”. وأضاف التقرير: ” ارتكبت قوات الدعم السريع عنفاً جنسياً واسع النطاق، لا سيما الاغتصاب الجماعي، والنهب. كما دمّرت المدن والقرى، غالباً بالحرق العمد، ونهبت المساعدات الإنسانية على نطاق واسع”. وقد وجدت محكمة العدل الدولية أدلة على جرائم حرب في السودان.
ارتكاب فظائع “لتحطيم معنويات العدو”
تحذّر مارينا بيتر من احتمال تكرار هذا المشهد في الفاشر خلال الأيام المقبلة. وتشير إلى تعاطي القادة المخدرات، ووجود أطفال في صفوف الميلشيات. وتتابع بيتر: “نعرف هذا النمط والمنطق المُطبق الآن في الفاشر، من مناطق أخرى في السودان. إنه يهدف إلى إضعاف معنويات العدو، إن جاز التعبير: ويكون ذلك من خلال اغتصاب النساء والرجال أيضاً، كما حفرت قوات الدعم السريع خنادق حول المدينة حتى لا يتمكن أحد من الفرار، وتهدف إلى تجويع المدينة بشكل ممنهج. الأرواح البشرية لا تُحسب في هذا الصراع”.
تقرير مشابه قدّمه أرجان هيهنكامب، من منظمة الإغاثة “لجنة الإنقاذ الدولية” IRC ومدير الأزمات في دارفور، وبالرغم من تمكن البعض من الفرار من الفاشر إلى مخيم طويلة كتب هيهنكامب على موقع المنظمة الإلكتروني: “الفارون من الفاشر قادمون من جحيم”. وأضاف: “لا يملكون سوى ملابسهم. كثيرون منهم مصابون بصدمات نفسية شديدة، ويبحثون عن الحماية والأمل. لكن مخيم طويلة مكتظ بأعداد تفوق قدرته الاستيعابية. وبدون زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية، ستستمر المعاناة في التفاقم”.
قوات الدعم السريع ليست وحدها من تستخدم العنف ضد المدنيين؛ إذ ترتكب القوات المسلحة السودانية أيضاً هجمات مروعة ضد السكان المدنيين بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي أشار إلى أن “قائمة فظائعهم تطول يوماً بعد يوم تقريباً”.
لطالما سادت مخاوف من انهيار السودان نتيجة الحرب، وما زالت المخاوف قائمة. تقول بيتر: “هذا الخطر يزداد واقعية مع مرور كل يوم من أيام هذه الحرب”.
أعدته للعربية: ميراي الجراح
Source link



