أخبار العالم

العراق .. واشنطن وطهران ومهمة العودة إلى الحضن العربي – DW – 2025/10/28

لا تشبه  الانتخابات البرلمانية في العراق  في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم الانتخابات التي جرت في العقود السابقة منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003. فقد شهدت المنطقة تحولات جذرية نتيجة الحرب بين إيران وإسرائيل وسقوط نظام الأسد في سوريا، وبين هذا وذاك يقع العراق. في هذا المقال سنركز على العوامل الخارجية للتأثير على العراق وكذلك على ماذا يريد من جواره، خصوصا عمقه العربي.

التأثير الإيراني

للجمهورية الإسلامية في إيران تأثير على قوى معينة في العراق تلعب دورا محوريا في الساحة العراقية، رغم نفي الحكومة العراقية ذلك. لإيران حضور طويل الأمد في الساحة السياسية والميليشاوية في العراق، من خلال ميليشيات تنضم تحت مسمى “محور المقاومة” وهي جماعات لا تنشط عسكريا بل سياسيا وإعلاميا وتحاول التأثير على الانتخابات من خلال دعم أحزاب أو قوائم انتخابية ترتبط معها بمصالح ونفوذ في مجالات عدة على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي.  يقول الباحث في الشأن السياسي الدكتور عباس عبود في حوار مع DW عربية: ” إيران تعتبر العراق جزءا من أمنها القومي”.

ويضيف قائلا إن الأدوات التي تمتلكها ايران أكثر، فهناك أحزاب ضمن العملية السياسية تربطها علاقات مع إيران وهناك مسائل مرتبطة بإيران عقائديا وهناك مصالح مشتركة وقرار مشترك ، إيران لها تأثير ومن خلال الجانب العقائدي على شريحة من العراقيين .

ويوضح أن “المال السياسي يتيح أن تستخدمه إيران لدعم جهات على حساب أخرى . من خلال الدعم لوجستي لأحزاب صديقة لإيران سواء شيعية أو سنية. الأمر لا علاقة له بالمذهب، كذلك تستعمل الدعم الإعلامي”.

حماية واشنطن

 

بعد مقتل زعيم حزب الله حسن نصر وضعف قوة الحزب اللبناني وسقوط نظام بشار الأسد، فقدت إيران أهم أذرعتها في المنطقة، وبعد حرب الصواريخ والمسيرات والطائرات بين إسرائيل وإيران والتي كانت سماء العراق ساحة عبور رئيسية لها، بدأت إيران بترتيب أوراقها من جديد. ولعل الميليشيا الموالية لإيران في العراق هي الطرف الوحيد في ما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي لم يتعرض لقصف على مستوى واسع يحطم من قدراته العسكرية لا من الجانب الأمريكي ولا الإسرائيلي خلال حرب 12 يوما التي دارت رحاها بين إسرائيل وإيران. والسبب يعود بحسب مراقبين إلى أن هذه القوى التي تشكل جزءا من الحشد الشعبي، تنضم رسميا تحت مظلة وزارة الدفاع العراقية، والعراق له اتفاقية أمنية مع الجانب الأمريكي. ويقال إن واشنطن طلبت من الطرف الإسرائيلي عدم فتح جبهة العراق.

لكن عدم نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران وتقليص نفوذها التجاري والاقتصادي والمالي يجعلها ورقة في يد إيران للضغط على الجانب الأمريكي. ولذا بدأت واشنطن بالضغط أكثر على بغداد.

الشيخ قيس الخزعلي زعيم ميليشيا "عصائب أهل الحق" القريبة من إيران. الصورة من انتخابات عام 2023.
الشيخ قيس الخزعلي زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” القريبة من إيرانصورة من: AHMED SAAD/REUTERS

 

التأثير الأمريكي

 

بعد تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، يبقى ملف الميليشيات العراقية الموالية لإيران مفتوحا بالنسبة للجانب الأمريكي الذي يحاول تقليص نفوذ إيران، اذ اتصل وزير خارجية الولايات المتحدة ماركو روبيو برئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يوم الثلاثاء 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، مطالبا إياه بنزع سلاح الحشد الشعبي. الأمر الذي استغله خصوم السوداني قبيل الانتخابات البرلمانية، فقال مسؤول في ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي ، إن السوداني يخضع للإملاءات الأمريكية، بحسب مصادر إعلامية.

لكن للولايات المتحدة حضور سياسي وأمني في العراق ، منذ عام 2003  إذ تغيّرت موازين القوى العراقية. أما بالنسبة للانتخابات العراقية فيُنظر إليها على أنه داعم لتطور إيجابي إصلاحي يطال القوى الأمنية ولقوى تحرير الدولة أو المعارضين للميليشيات، بحسب مصادر أمريكية. رغم ذلك فإن انتقادات كثيرة طالت سياسة واشنطن تجاه  بغداد ، بعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011. لكن واشنطن بدأت أخيرا تمارس ضغطاً على بغداد وأحزابها بشأن ملفّ الميليشيات، الأمن، السيادة العراقية، وإدماج القوات المسلحة وهذه القضية تنعكس أيضاً على الانتخابات لأن بعض الأحزاب تعتبر نفسها مدعومة من الخارج أو معارضة للوجود الأجنبي. الولايات المتحدة تملك تأثيرا قويا على المستويات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية يمكن أن يستخدم لدعم بعض التوجّهات داخل الانتخابات العراقية أو لفرض شروط على الحكومة المقبلة. يرى الباحث الدكتور عباس عبود أن “الولايات المتحدة تعتبر  العراق  جزءا من مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ومصالح شركائها في الخليج والدول الأخرى، وبالخصوص الوضع في سوريا وإسرائيل، العراق جزء محوري من مصالح الولايات المتحدة الأميركية”.

العراق اليوم: أولوية ترامب تجاه العراق .. الاقتصاد أم الأمن؟

To play this audio please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 audio

 

التداخل بين التأثيرين

 

منذ عقود والعراق  ساحة تنافس بين إيران والولايات المتحدة. ورغم عدم الإشارة علنا إلى الانتخابات، يرى مراقبون أن كل طرف يحاول ضمان نتائج تصب في صالح نفوذه على الساحة العراقية. لكن مثل هذه المحاولات قد تؤثر سلبا على الانتخابات لأن وجود تدخل خارجي سواء مباشر أو غير مباشر يُضعف ثقة الناخب بأن الانتخابات نزيهة أو بأنها تمثّل الإرادة الشعبية الحقيقي، بحسب معهد واشنطن.  ولذا تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف من يحاول مسك العصا من المنتصف، بين طهران وواشنطن، وكثيراً ما يُعتبر هذا أحد العوامل التي تؤثّر في استراتيجية الأحزاب والمرشحين.  وهي سياسة ينتقدها متابعون للشأن العراقي بوضوح.

 

التأثير العملي على الانتخابات؟

 

يرى مراقبون أن مصادر تمويل الحملات الانتخابية يلعب دورا مهما في الانتخابات العراقية. فالأحزاب التي تتمتع بدعم خارجي أو علاقات قوية مع فصائل مدعومة من الخارج قد تتحلّى بمزايا مادية ولوجستية، بحسب معهد واشنطن. وإلى ذلك يذهب الدكتور عباس عبود : “العراق في نظامه السياسي يمتلك مساحة من الضعف والهشاشة ولذا يسهل اختراقه من خلال أدوات كثيرة كالدعاية، الضغط المباشر، المال السياسي، تأسيس أحزاب ومنظمات وتفاصيل كثير يمكنها اختراق النظام السياسي في العراق من خلالها”.

وخلال الحملات الانتخابية يجري تصوير بعض القوى كـ “داعمة لسيادة العراق” وأخرى كـ “أداة أجنبية”. لكن لا يجب نسيان أن وجود قوة سلاح الميليشيات يمكن أن يُستخدم كوسيلة ضغط أو تهديد داخل البيئة الانتخابية، مما يحد من حرية التعبير والمنافسة.

زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي  2023
زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي صورة من: AHMED SAAD/REUTERS

 

بوصلة العراق.. إلى أين؟

 

كثيرا ما يتساءل مراقبون عن سياسات بغداد الخارجية، وكيف ستكون المرحلة القادمة. لكن يتفق كثيرون على أن تشكيل أي حكومة قادمة ستخضع لتفاوض داخلي وخارجي.  داخليا بين القوى المؤيدة لإيران وتلك التي تتوجّه نحو الولايات المتحدة أو إصلاح العلاقة معها.

وليس سرا أن الولايات المتحدة ترى في العراق جزءا من اجندتها العالمية ، لأن لديها نظرة “جيواستراتيجية للعالم،  بينما لإيران نظرة إقليمية محددة. كلاهما لديهما اهتمام وتأثير”، بحسب الباحث الدكتور عباس عبود.

لكن سياسة الحكومة القادم تعتمد على التغيرات في المنطقة والمشروع القادم “العراق اليوم هو العراق الثالث، العراق الأول هو العراق الأميركي من 2003 وحتى انسحاب القوات الأميركية 2011 . العراق الثاني هو عراق النفوذ الإيراني لملئ الفراغ بعد انسحاب الولايات المتحدة حتى عام 2019 بعد استقالة  حكومة عادل عبد المهدي.  العراق الثالث هو بعد  حكومة الكاظمي  وحكومة محمد شياع السوداني، حاول أن يعود للحاضنة العربية بطريقة غير مدروسة” يقول عباس عبود ويضيف في حوار مع DW عربية: “الكاظمي هواه إماراتي بينما محمد شياع السوداني هواه قطري، ربما الحكومة القادمة سيكون هواها سعودي أو مصري، لكنهم سيتجهون أكثر للحاضنة العربية، إرضاء لواشنطن وبحثا عن دور في المنطقة”.

ويوضح ان أكثر تأثير لهذه التحولات في القوة هي في الخليج بالقول : “بعد الصراع السعودي القطري والتنافس السعودي الإماراتي، التفاعلات كثيرة في المنطقة خصوصا بعد حرب غزة والعراق لا يمكن ان يكون في معزل عنها” ويشير إلى حضور العراق في مؤتمر شرم الشيخ الذي يمثل دلالة على “أنه سينغمس في التحالفات المقبلة وأدخل نفسه في ممر يجب ان يكمله حتى النهاية”.  موضحا بالقول “العراق لا يستطيع العودة للمحور الإيراني ولا يمكنه الدخول في محور التطبيع، الإبراهيمي. العراق سيحاول أن يقدم قدم ويؤخر أخرى سيحاول المناورة. وهذا يعتمد على من سيكون على راس الدولة. هذا يعتمد على استراتيجية الدولة للمرحلة المقبلة، لكن استطيع القول إن العراق سيحتفظ بسياسته التي انتهجها بعد 2019 وهي سياسة العراق الباحث عن بوصلة وعن دور في المنطقة”.

 

تحرير: يوسف بوفيجلين


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى