اخبار السودان

من الانقلاب إلى الحرب: السودانيون يستعيدون لحظة التحول في الذكرى الرابعة

في مثل هذا اليوم، تحل الذكرى الرابعة لانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي نفذه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، إلى جانب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، ضد الحكومة الانتقالية التي كان يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. هذا الحدث السياسي المفصلي أعاد السودان إلى حالة من الجمود السياسي والعنف المتصاعد، وأدخل البلاد في دوامة من الصراع لا تزال تداعياتها قائمة حتى اللحظة، رغم تعدد المبادرات الدولية ومساعي التسوية التي لم تفلح في وقف الانزلاق نحو حرب شاملة.

تفاعل شعبي

في الذكرى الرابعة للانقلاب، لجأ السودانيون إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن مشاعرهم واستعادة تفاصيل ذلك اليوم، ومراجعة ما أعقبه من أحداث سياسية وأمنية. ووفقاً لما رصدته صحيفة “التغيير”، فقد تنوعت المشاركات بين شهادات شخصية وتدوينات سياسية، عكست حجم الغضب الشعبي والرفض المستمر للانقلاب العسكري. كتب فيصل محمد عبدالله أن الشعب خرج يوم 25 أكتوبر من كل فج عميق، متحدياً انقطاع الاتصالات والإنترنت، في مظاهرات عفوية ضد ما وصفه بانقلاب “البرهان والكيزان وداعميهم”، في إشارة إلى القوى التي يرى أنها وقفت خلف إسقاط الحكومة الانتقالية.

تصفية الثورة

في تدوينة مطولة، وصف عبدالله عبد القادر الانقلاب بأنه بداية الحشد لتصفية ثورة ديسمبر ورموزها، مشيراً إلى أن ما جرى كان محاولة منظمة لإجهاض الحراك الشعبي. واستشهد عبد القادر بعبارات دينية تؤكد على عدالة السماء، قائلاً إن الثورة مستمرة رغم القمع، ومردداً كلمات الشهيد قاسم “الله ناصرنا ولا ناصر لكم”، في تعبير عن تمسكه بمبادئ الثورة ورفضه للعودة إلى الحكم العسكري. هذه المواقف تعكس شعوراً متجذراً لدى قطاعات واسعة من السودانيين بأن الانقلاب كان موجهاً ضد تطلعاتهم في الحرية والعدالة.

صدمة مدنية

المنشورات المتداولة في الذكرى الرابعة للانقلاب أظهرت بوضوح حجم الصدمة التي عاشها المدنيون في ذلك اليوم، إلى جانب مشاعر الغضب والإصرار على مواصلة النضال ضد ما يعتبرونه طغياناً عسكرياً. ورغم السيطرة المفاجئة على مفاصل الدولة، فإن السودانيين أبدوا رفضاً واسعاً للاستسلام، مؤكدين أن الثورة لا تزال حية في وجدانهم، وأنهم مستمرون في المطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية، مهما كانت التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجههم.

ضغط دولي

في سياق متصل، سلط عثمان صالح الضوء على البعد الدولي للأزمة، مشيراً إلى أن طرفي النزاع في السودان يخضعان لضغوط متزايدة من القوى الدولية، بهدف دفعهما إلى الالتزام بالمبادرة الرباعية التي تدعو إلى هدنة إنسانية تسمح بفتح الممرات الآمنة وإدخال المساعدات. وأوضح أن المفاوضات تجري وسط تكتم شديد، ما يعكس تعقيد المشهد السياسي والأمني، الذي بات محكوماً بتوازنات داخلية وخارجية متشابكة، تجعل من الحل السياسي مهمة شديدة الصعوبة في ظل استمرار التصعيد العسكري.

بداية الحرب

ربطت الناشطة يارا حاتم بين انقلاب أكتوبر 2021 والحرب التي اندلعت في أبريل، معتبرة أن الخطوة الأولى نحو الحرب كانت الانقلاب ذاته، وأن الهدف المشترك بين الانقلاب والحرب هو إجهاض تطلعات الشعب السوداني في انتزاع حريته وكرامته، وفتح الباب أمام عودة النظام السابق. هذا الربط بين الحدثين يعكس رؤية سياسية ترى في الانقلاب نقطة تحول نحو مرحلة أكثر دموية، تهدف إلى إعادة إنتاج السلطة القديمة وقطع الطريق على أي مشروع ديمقراطي جديد.

جهود التسوية

في ظل استمرار الصراع، تشهد الساحة السياسية السودانية تحركات دولية تقودها الولايات المتحدة ودول الرباعية، تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة، وفتح الطريق أمام وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية. هذه الجهود تأتي في وقت تتزايد فيه المعاناة الإنسانية داخل البلاد، وسط انعدام الأمن وانقطاع الخدمات الأساسية، ما يجعل من التسوية السياسية ضرورة ملحة، رغم تعقيدات المشهد وتباين المواقف بين القوى المتصارعة.

جذور الانقلاب

من جانبه، اعتبر معاذ أبو القاسم أن الانقلاب كان نتيجة مباشرة لأفعال القوى السياسية التي مارست القمع والانبطاح قبل سقوط الحكومة، واصفاً ما جرى بأنه امتداد للثورة المضادة التي رفضت التغيير الحقيقي. وأشار إلى أن القوى التي قادت الانقلاب لم تكن مستعدة لقبول أي مشروع سياسي جديد خارج النادي التقليدي، ما جعل من الانقلاب محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم تحت غطاء جديد، في مواجهة المد الثوري الذي انطلق منذ ديسمبر 2018.

تحول دموي

توضح المشاركات الشعبية في الذكرى الرابعة أن كثيراً من السودانيين لا يرون في انقلاب أكتوبر مجرد حدث سياسي عابر، بل يعتبرونه نقطة تحول نحو حرب أطول وأكثر دموية، تهدف إلى إجهاض حلم السودان الجديد. ويؤكدون أن الانقلاب لم يكن عشوائياً، بل جاء نتيجة تراكمات تاريخية وانحيازات داخل مؤسسات الدولة ضد مطالب الشعب في الحرية والتغيير، ما يجعل من مقاومته واجباً وطنياً في نظرهم، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

تخطيط مسبق

في هذا السياق، يرى محمد ود الزين أن الانقلاب تم بتخطيط وإشراف مباشر من الحزب المحلول، بهدف دفن الثورة وإجهاض مكتسباتها. وأكد أن ما جرى لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة ترتيبات مسبقة هدفت إلى إعادة السيطرة على الدولة، متجاهلين عدالة السماء التي لا تغيب. هذا الرأي يعكس قناعة لدى بعض النشطاء بأن الانقلاب كان مدفوعاً بأجندات سياسية واضحة، تهدف إلى إعادة إنتاج السلطة القديمة بكل أدواتها وأساليبها.

مشهد متداخل

وراء كل هذه المواقف، يبقى المشهد السوداني اليوم مزيجاً من الإحباط والغضب والأمل. فبينما يعاني المواطنون من الحرب المستمرة وانعدام الأمن والخدمات، لا يزالون يتمسكون بذكرى ثورة ديسمبر، ويعبرون عن رفضهم للاستبداد عبر منصات التواصل الاجتماعي. وتشير الذكرى الرابعة لانقلاب أكتوبر إلى أن السودان يعيش مرحلة حرجة، تتقاطع فيها القوى المحلية والدولية في صراع معقد حول مستقبل البلاد، بينما يواصل الشعب السوداني التمسك بمبادئ الثورة والكرامة، رافضاً العودة إلى الحكم العسكري.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى