أخبار العالم

انتكاسات التحول الديمقراطي بإفريقيا.. هل تراجع تأثير الغرب؟

انتكاسات الديمقراطية في أفريقيا تثير السؤال إن كان النفوذ الغربي ما يزال كبيرًا كما يفترض! ومن الذي يشكل التحول الديمقراطي حقًا في القارة؟ وما أثر وقف واشنطن لتمويل المنظمات العاملة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

كانت ضربة قاسية: فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع عام 2025 عن تخفيضات شاملة في المساعدات، أثرت بشكل رئيسي على الدول الأفريقية. وازدادت المخاوف من احتمال تراجع الاهتمام والنفوذ الغربيين في القارة الأفريقية. وذلك لأنَّ هذا كان يهدد أيضًا بتضاؤل الدعم لتعزيز المعايير والأعراف الديمقراطية.

من المعروف أنَّ جزءًا كبيرًا من الدعم المالي المقدّم لمنظمات مثل الأمم المتحدةوالاتحاد الأفريقي، وكذلك بعثات مراقبة الانتخابات، يأتي من الديمقراطيات الغربية. وإذا انقطع هذا الدعم أو تضاءل، فكيف ستتعامل ديمقراطيات أفريقيا – التي غالبًا ما تواجه تحديات كبيرة – مع هذه التحديات؟

هل يحظى الغرب بأكثر مما يستحق من الاعتراف؟

يرى الكثير من المراقبين أنَّ الانتخابات القادمة في تنزانيا وأوغندا هي مجرد إجراءات شكلية أكثر من كونها منافسة نزيهة. وفي تنزانيا استُبعد من المعركة الانتخابية حزبُ تشاديما المعارض، الذي يقبع زعيمه توندو ليسو في السجن بتهمة الخيانة العظمى، وقد تحدث ناشطون ديمقراطيون سافروا من كينيا عن حالات اختطاف وتعذيب.

وفي أوغندا يريد الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني تمديد حكمه المستمر منذ أربعة عقود، في حين يحذر زعماء المعارضة بارزون مثل كيزا بيسيجي وبوبي واين من تزايد القمع.

“نلاحظ ضمن سياق التحول الديمقراطي في شرق أفريقيا قمعًا للمعارضة السياسية وهجمات موجهة للأحزاب والقادة، الذين يريدون التشكيك في الوضع الراهن”، كما تقول سيما شاه، رئيسة قسم تقييم الديمقراطية في المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، وهي منظمة حكومية مقرها في السويد وتعنى بالديمقراطية في جميع أنحاء العالم.

كينيا، نيروبي 2025 - متظاهر يحمل علم كينيا في ذكرى احتجاجات جيل Z  
أثارت الاحتجاجات التي قادها الشباب في كينيا مشاعر مؤيدة للديمقراطية في جميع أنحاء أفريقيا، ولكنها واجهت مقاومة شديدة في كينيا نفسها صورة من: Boniface Muthoni/SOPA Images/ZUMA/picture alliance

وفي كينيا أيضًا، تم قمع احتجاجات الشباب بشكل كبير في السنين الأخيرة، وحدثت حالات اختطاف متكررة بدوافع سياسية. وتواجه حكومة الرئيس وليام روتو انتقادات بسبب إجراءاتها الشديدة.

وحول ذلك قالت سيماء شاه لـDW: “يحتاج الأمر وقتًا طويلًا حتى يستقر إيقاع انتقال السلطة السلمي ويقبل الناس أنَّ النقد والنقاش والمعارضة أمور طبيعية وصحية. ويجب علينا أن ننظر بعناية إلى الانتخابات ومزايا السلطة”.

فوز ترامب في الانتخابات يقوي المستبدين

وتؤكد في هذا السياق كاساندرا دوراسامي، من منظمة العفو الدولية في جنوب أفريقيا، على دور التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وترى أنَّ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تؤثر على صورة الأنظمة الديمقراطية. وحول ذلك قالت لـDW إنَّ “انتخاب ترامب عمل على تعزيز وتسريع السلوك السلطوي”.

وتثير إجراءات ترامب من أجل تقويض المؤسسات التي تدافع عن حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية قلق المراقبين في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى المستوى الدولي. وتشمل هذه الإجراءات الإلغاء الفعلي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وخفض التمويل المخصص لإذاعة صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة.

وتشير كاساندرا دوراسامي إلى أنَّ الديمقراطية مهددة ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، بل في أوروبا أيضًا. وتقول إنَّ “الحركات المناهضة لليمين والمتصاعدة في جميع أنحاء العالم، من أوروبا حتى أفريقيا، تُغذّي السرديات المعادية للمهاجرين والديمقراطية”.

كينيا، نيروبي - الناشطة أغاثر أتوهاري والناشط بونيفاس موانغي
تحدثت الناشطة الأوغندية أغاثر أتوهاري والناشط الكيني بونيفاس موانغي عن التعذيب والاعتقال في تنزانيا بعد سفرهما إلى هناك لحضور محاكمة زعيم المعارضة توندو ليسو صورة من: Thomas Mukoya/REUTERS

ومع ذلك تُظهر الدراسات بحسب سيماء شاه أنَّ الديمقراطية ما تزال تمثّل الشكل الأكثر شعبية للحكم. وتقول: “لكن المواطنين غير راضين عن إداء ديمقراطياتهم”، وخاصة عن العنف خلال فترات الانتخابات وقمع المعارضة بعد أن تفوز الأحزاب الحاكمة في الانتخابات.

الديمقراطية تبدأ من القاعدة

ويرى الفنان والناشط الجنوب أفريقي ليندلاني منيسي أنَّ إحياء الإيمان بالمثل الديمقراطية يبدأ من القاعدة الشعبية: “يجب تثقيف المجتمع المدني حول حقوقه السياسية ونوايا الأحزاب حتى يصوّت بوعي”، كما قال لـDW. وأضاف أنَّ هذا مهم لمحاسبة السياسيين.

وتدعو كاساندرا دوراسامي إلى التحلي بالشجاعة لمواجهة تحديات الديمقراطية، وخاصة قبل الانتخابات القادمة في تنزانيا وساحل العاج وجمهورية أفريقيا الوسطى وأوغندا.

وتقول دوراسامي: “يجب أن يكون مجتمعنا المدني قويًا بما يكفي من أجل المطالبة بانتخابات حرة ونزيهة، وإعادة التفكير في الهياكل التي تراقب السلطة في الانتخابات، سواء من خلال مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) أو الاتحاد الأفريقي. ومراقبة الانتخابات يجب ألا تأتي فقط من الدول الأوروبية أو الشمالية، بل من أفريقيا نفسها”.

غانا - الانتخابات
شهدت الانتخابات في غانا منافسة شديدة، ولكنها أسفرت عن انتقال سلمي نسبيًا للسلطة بين الأحزاب المتنافسة صورة من: Misper Apawu/AP/picture alliance

تغير السلوك الانتخابي

لقد تغير السلوك الانتخابي في الديمقراطيات الأفريقية، خاصة في جنوب أفريقيا وناميبيا وبوتسوانا، حيث تكبدت الأحزاب الحاكمة منذ سنين طويلة خسائر كبيرة في الأصوات.

وأكدت لـDW الناشطة من أجل العدالة البيئية، باتريسيا بيكو أنَّ الأولويات والسلوك الانتخابي قد تغيرا في غانا.

وقالت إنَّ “الانتماءات العرقية كانت تحدد في السابق الانتخابات. وإذا كان المرشح من مجموعتي العرقية، فكنت أصوت له. ولكن في الثمان سنين الماضية، أصبح الغانيون أذكى من قبل: فقد أصبحنا ننظر إلى الاقتصاد ووعود الحكومة غير المحققة ثم اخترنا التغيير”.

وتعد غانا بفضل عدة انتقالات سلمية للسلطة دولةً ديمقراطية مستقرة في غرب أفريقيا. وفي عام 2024 عاد جون ماهاما إلى الرئاسة. وأصبح حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي والحزب الوطني الجديد يسيطران على السلطة منذ إعادة تطبيق الديمقراطية في عام 1992.

القوة من الداخل

وتقول سيماء شاه: “من السيء بطبيعة العال قطع هذا القدر الكبير من المساعدات، ولكن يجب علينا أيضًا أن ننظر ما هي الفرص والإمكانيات التي يتيحها ذلك للمنظمات والأشخاص المحليين”.

وبعد سؤال كاساندرا دوراسامي إن كان ما يزال يجب على الديمقراطيات الأفريقية أن تأخذ الغرب كنموذج مثالي للعمل الديمقراطي، أجابت: “بالطبع لا. ويجب علينا التشكيك في فكرة أنَّ الغرب هو حامي الديمقراطية. ويجب علينا النظر إلى مجتمعاتنا وهياكلنا وحركاتنا”.

والجواب واضح بالنسبة لليندلاني منيسي: “لا بكل وضوح. فعالمنا يختلف تمامًا عن الغرب. وليس متشددًا لدرجة أننا لا نستطيع تعلم أي شيء، ولكن يجب أن نبدأ من الداخل”.

وبالنسبة لسيماء شاه تعتبر الديمقراطية المستقلة هي الشكل الأقوى. وحول ذلك قالت لـDW إنَّ “العديد من المجموعات المتحمسة والملتزمة تعمل بالفعل على التغييرات في ظل ظروف خطيرة”.

وتؤكد سيماء شاه بالنظر إلى شرق أفريقيا، حيث تتعرض الأصوات المؤيدة للديمقراطية لضغوطات متزايدة، أنَّ: “الأمر ليس وكأنَّ هذه الطاقة غير موجودة. وإذا جاء الدعم من المنطقة نفسها، فهذا أفضل، لأنَّه يخلق المزيد من الشرعية ويزيد من فرص التنمية المستدامة”.

أعده للعربية: رائد الباش

تحرير: عبده جميل المخلافي


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى