أخبار العالم

معوقات قانونية وأخلاقية واقتصادية – DW – 2025/10/25

ما يزال ملايين السوريين يعيشون في ظروف خطرة غير مستقرة: مدن وقرى مدمرة، وخراب في البنية التحتية، ونقص في المساكن. ولكن على الرغم من ذلك تخطط الحكومة الألمانية لعقد اتفاقية مع الحكومة الانتقالية في دمشق من أجل تسريع إعادة لاجئي الحرب السوريين إلى وطنهم. وفي هذا الصدد صرّح في نهاية أيلول/سبتمبر وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبرينت (من الحزب المسيحي الاجتماعي) لصحيفة “راينيشه بوست” بأنَّه يريد “التوصل إلى اتفاق مع سوريا في هذا العام، ثم ترحيل المجرمين أولاً، وبعد ذلك ترحيل من لا يحملون تصاريح إقامة”.

ولكن قول ذلك قد يكون أسهل من فعله، لأسباب قانونية وإنسانية. وحول ذلك قال مؤخراً غونزالو فارغاس يوسا، رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا، لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” إنَّ “سوريا بلغت أقصى حدودها؛ وقد استنفدت منذ فترة طويلة قدرتها على استيعاب المزيد من اللاجئين”. وأضاف: “نحن نواجه هناك واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العالم”. وحذّر من أنَّ إعادة المزيد من السوريين لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع أكثر.

ألمانيا، برلين 2025 - ألكسندر دوبريندت خلال مناقشة ميزانية ألمانيا في البوندستاغ
أعلن وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت عن نية إبرام اتفاقية حول اللاجئين مع سوريا قبل نهاية العام 2025صورة من: Jens Krick/Flashpic/picture alliance

حياة بين الأنقاض واليأس

وبحسب الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية هناك اليوم نحو سبعة ملايين نازح داخل سوريا. ويضاف إليهم نحو مليون لاجئ حرب سوري عادوا إلى سوريا من دول الجوار لبنان والأردن وتركيا منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي. وكذلك أعلنت في آب/أغسطس 2025 وزارة الداخلية الألمانية أنَّ نحو 1300 سوري عادوا من ألمانيا إلى وطنهم منذ سقوط الأسد.

الصورة واضحة لدى طارق الأوس. لجأ الشاب إلى ألمانيا في عام 2015 على خلفية معارضته لنظام بشار الأسد. وهو اليوم متحدث باسم منظمة “برو أزول” لمساعدة اللاجئين. وسافر في نهاية العام الماضي إلى سوريا من أجل البحث والتقصي. وبحسب قوله فقد أكد بالضبط تقييم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما شاهده هناك.

وحول ذلك قال طارق لـDW: “لا بيوت للعائدين. وما رأيته في دمشق أنَّ عدة عائلات تتشارك في شقة واحدة، والشقق المتوفرة باهظة الثمن. ولهذا السبب تتشارك أربع أو خمس عائلات في شقق تتكون من أربع أو خمس غرف”.

كما أنَّ البنية التحتية وإمدادات الغذاء في سوريا ما تزال بحاجة عاجلة إلى إعادة البناء. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة يعتمد على المساعدات الإنسانية 16.7 مليون شخص من سكان سوريا البالغ عددهم 25 مليون نسمة.

انعدام الأمن والعنف يؤثران في الحياة اليومية بسوريا

وتتفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا بسبب الوضع الأمني الهش للغاية، وذلك لأسباب من بينها انتشار كميات لا تُحصى من الأسلحة بعد الحرب. ويقول طارق: “لا يخلو بيت في دمشق أو غيرها من المدن من السلاح. وإذا تصاعد الوضع فقد تنفجر سوريا كلها”.

وفي الواقع لقد حدثت في سوريا العديد من أعمال العنف ضد الأقليات، مثل الدروز والعلويين وأفراد من مجتمع الميم.

ووحول ذلك قال الناشط السياسي طارق الأوس إنَّ “ما نحتاجه هو أمن مستدام في سوريا. وعندئذ سيعود الكثيرون بمحض إرادتهم”. ولكن مع ذلك فإنَّ إعادة الناس في هذه الظروف، فقط من أجل ممارسة “سياسة رمزية”، ستؤدي إلى تفاقم الوضع في سوريا وتثير في النهاية موجات لجؤء جديدة.

وأكدت الحكومة الألمانية في بيان أرسلته لـDW أنَّها على اتصال بالحكومة السورية الجديدة برئاسة قائد المعارضة المسلحة السابق والرئيس الحالي  أحمد الشرع. وتابع البيان أنَّ “وزارة الداخلية الألمانية ترى أنَّ عودة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم في ألمانيا ولا يتمتعون بحق الإقامة إلى أوطانهم أمر ضروري”.

ولكن حتى لو تم التوصل إلى اتفاق ترحيل مع دمشق فإنَّ هذا دوره هو تنظيم الإجراءات العملية – لكنه لن يعني إمكانية تنفيذ عليات الترحيل على الفور. “وحتى مثل هذا الاتفاق لا يغيّر شيئًا في حقيقة أنَّ كل حالة يجب فحصها على حدة”، كما قال لـDW فالنتين فينبيرغ، وهو باحث علمي في قسم القانون العام والسياسة بجامعة لونبورغ الألمانية.

ومن يقدم طالب لجوء في ألمانيا، يتم البت بطلبه في البداية من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF). ويمكنه الاستئناف إذ تم رفض طلبه، ويجب على المحاكم تقييم كل حالة على حدة. ومن يخسر القضية يفقد إقامته. ولكن قرار الترحيل الفعلي يبقى منفصلاً عن هذا القرار، كما أنَّ الوضع الإنساني في بلده الأصلي يلعب في ذلك دوراً محورياً.

“ارتكاب شخص ما جريمة لا يعني بالضرورة إمكانية ترحيله”، كما يقول فالنتين فينبيرغ، مضيفاً أنَّ “هذا القرار يعتمد دائماً على الوضع في البلد الأصلي”. ولذلك لا يجوز بموجب القانون الألماني ترحيل حتى المجرم المُدان بجرائم إذا كان يوجد في بلده خطر يهدد بتعرضه للتعذيب أو الإعدام أو غيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.

دراسة ألمانية تكشف تراجع الشعور بالترحيب لدى اللاجئين

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

حدود الترحيل القانونية

وأكد ذلك أستاذ القانون العام والأوروبي والدولي في جامعة كونستانس الألمانية، دانيال تيم، ولكنه يتوقع أنَّ عدد السوريين الذين سيحصلون على وضع الحماية في ألمانيا سيقل في المستقبل لأنَّ الحرب هناك انتهت بشكل رسمي. ويتابع دانيال تيم لـDW: “ثم يبرز السؤال السياسي حول المجموعات التي نريد ترحيلها أولًا. وهنا يُعلن السياسيون – وربما هذا أمر مفهوم – أنَّهم يريدون التركيز على المجرمين أولًا. ولكن هذه أولوية سياسية، وليست قانونية”.

بيد أنَّ خطة زيادة عمليات الترحيل تتعرض لانتقادات أخرى من منطلق أخلاقي واقتصادي. وحول ذلك قال سياسي حزب اليسار يان فان أكين إنَّ “من يريد الترحيل إلى سوريا لا يعتبر مُفلساً أخلاقياً فقط، بل لا توجد لديه أيضاً أية فكرة لا عن الوضع في سوريا ولا عن الوضع هنا في ألمانيا”.

وفي الوقت نفسه يزداد عدد العاملين السوريين في ألمانيا، وهذه مساهمة مهمة نظراً لزيادة عدد المسنين في ألمانيا. وبحسب وكالة العمل الاتحادية، يعمل حاليًا في ألمانيا نحو 236 ألف مواطن سوري ويساهمون في دفع الضرائب.

الواقع القانوني يلتقي بالخطاب السياسي

ويوجد الآن في ألمانيا بحسب الأرقام الحالية الصادرة عن وزارة الداخلية الألمانية ما يزيد قليلًا عن 225 ألف شخص من جنسيات مختلفة يجب عليهم مغادرة البلاد. ونحو 40 ألفاً منهم هم طلاب أو موظفون أو سياح انتهت صلاحية تأشيراتهم.

ولكن معظمهم حاصلون على “إقامة عدم الترحيل” (Duldung)، وهذا يعني أنَّهم لن يُرحّلوا، إما لأنَّهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية سارية، أو لعدم التمكن من تحديد هويتهم بشكل واضح، أو لأنَّهم يعانون من أمراض لا يمكن علاجها في بلدانهم الأصلي. وبحسب الأرقام الرسمية يعيش اليوم نحو 9600 سوري بتصريح “إقامة عدم ترحيل”. ومن الناحية النظرية هذه هي المجموعة التي يمكن ترحيلها.

ولكن توجد حتى هنا قيود قانونية، كما يقول فالنتين فينبيرغ، الباحث في قسم القانون العام والسياسة بجامعة لونبورغ الألمانية: “يمكن الحصول في ألمانيا وأوروبا على الحماية إذا كان الوضع الإنساني في البلد الأصلي خطيراً لدرجة أنَّه يهدّد الحياة، أو في حال كان هناك فقر مدقع في جميع أنحاء البلد الأصلي أو في مناطق معينة منه”. ويخلص فالنتين فينبيرغ إلى أن “هذا ممكن أن يلعب في المستقبل – وهذا مجرد توقع مني – دوراً مهماً في القرارات الخاصة بسوريا”.

وبعبارة أخرى: من المحتمل أنَّ تؤثر التقييمات الصادرة على سبيل المثال عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات الدولية على أحكام المحاكم الألمانية.

أعده للعربية: رائد الباش


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى