وقف لإطلاق النار أم نيران أقل؟ – DW – 2025/10/24

بعد أحد عشر شهراً من إبرام اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وميليشيا حزب الله المدعومة من إيران، تتصاعد المواجهات العنيفة من جديد. يوم الخميس (23 تشرين الأول/أكتوبر 2025)، هاجمت إسرائيل معسكر تدريب مزعوم لحزب الله في منطقة البقاع شمال غرب لبنان. وقبل ذلك بيوم، قتلت طائرة إسرائيلية مسيرة القيادي في حزب الله، عيسى أحمد كربلاء، في جنوب لبنان، حسب بيان صادر عن جيش الدفاع الإسرائيلي.
تصفية عيسى أحمد كربلاء هو الأحدث في سلسلة من عمليات الاستهداف الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية وفرنسية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. كان من المفترض أن يُنهي الاتفاق ما يقرب من عام من القتال المحدود وشهرين من الحرب الشاملة، والتي قالت إسرائيل إنها قلّصت خلالها ترسانة أسلحة حزب الله بشكل كبير وقتلت العديد من قادة الميليشيا.
وأعلنت السلطات الصحية اللبنانية مقتل 274 شخصاً في هجمات إسرائيلية منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أكدت الأمم المتحدة أن 108 منهم كانوا مدنيين أو غير مقاتلين.
كما أشار تقرير صدر مؤخراً عن “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (اليونيفيل) إلى إطلاق نحو 950 قذيفة من إسرائيل على لبنان، بالإضافة إلى 100 غارة جوية إسرائيلية بين نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025. وخلال الفترة نفسها، أفادت اليونيفيل بإطلاق 21 قذيفة من لبنان باتجاه إسرائيل.
خرق اتفاق وقف إطلاق النار
اتهم كلٌّ من إسرائيل وحزب الله الطرفَ الآخر بعدم الالتزام بجوانب رئيسية من اتفاق وقف إطلاق النار. نصّ الاتفاق على سحب إسرائيل قواتها من الأراضي اللبنانية، ونزع حزب الله سلاحه في جميع أنحاء لبنان وانسحاب قواته إلى شمال نهر الليطاني. في غضون ذلك، سينشر الجيش اللبناني قواته إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب البلاد.
تتهم إسرائيل حزب الله، الذي تُصنّف عدة دول، منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، جناحه العسكري جماعةً إرهابية، بمحاولة إعادة بناء قدراته بدلاً من التخلي عن سلاحه.
واتهم خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة إسرائيل بانتهاك شروط وقف إطلاق النار بعدم انسحابها من جنوب لبنان، ودعوا جميع الأطراف إلى العودة إلى الاتفاق، الذي وُضع لضمان “وقف دائم للأعمال العدائية”، كما صرّح بذلك الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن.
في الأسبوع الماضي، نشر توم باراك، السفير الأمريكي في تركيا ومبعوث إدارة الرئيس دونالد ترامب لسوريا ولبنان على موقع “إكس” أن “نزع سلاح حزب الله… ليس فقط ضرورة أمنية لإسرائيل؛ بل هو فرصة للتجديد”.
معضلة الجمود
في هذه الأثناء، لا يزال لبنان يعيش المعاناة بعد سنوات من الفراغ السياسي، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية مستمرة تفاقمت بسبب الحرب التي استمرت من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وحسب وزارة الصحة العامة اللبنانية، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل حوالي 4000 شخص، وتدمير أجزاء من بيروت وعشرات القرى في جنوب لبنان. ويقدر البنك الدولي أن تكلفة إعادة الإعمار ستبلغ حوالي 11 مليار دولار (9.5 مليار يورو).
ووعدت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول أخرى بمساعدة لبنان، بيد أنها ربطت ذلك بالإصلاحات الاقتصادية ونزع سلاح حزب الله.
أكدت كيلي بيتيلو، باحثة شؤون الشرق الأوسط في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR)، لـ DW، أن خطة نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية عام 2025 قد وصلت إلى طريق مسدود”.
يجادل حزب الله بأنه لن يسلم سلاحه طالما استمرت إسرائيل في مهاجمة القرى ومصانع البناء الأساسية لإعادة الإعمار. وفي وقت سابق من أغسطس/آب، حذّر حزب الله من اندلاع حرب أهلية في لبنان.
في غضون ذلك، تُبقي إسرائيل قواتها في خمسة مواقع في جنوب لبنان، متذرّعةً بضرورة الدفاع عن النفس.
وعلقت كيلي بيتيلو، باحثة شؤون الشرق الأوسط في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR): “يُشكّل هذا الوضع تهديداً كبيراً لاستقرار لبنان، إذ أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن ممارسة أي نفوذ يُذكر على مسار الأحداث والفاعلين في المعادلة”.
من وجهة نظر الباحثة الإيطالية، دفع هذا الجمود إسرائيل إلى تكثيف ضرباتها العسكرية: “قد يكون ذلك إشارة إلى أن إسرائيل تشعر بإمكانية العودة إلى صراع شامل في أي وقت إذا رأت أن حزب الله لن ينزع سلاحه”، محذرة من أن مثل هذا السيناريو، الذي قد تضرب فيه إسرائيل أهدافاً في دول أخرى لردع التهديدات، قد يصبح بسهولة نموذجاً لصراعات أخرى في المنطقة.
ومن جانبها، صرحت منى يعقوبيان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، لوكالة أسوشيتد برس، بأنها ترى “نيراناً أقل”، وليس وقفاً لإطلاق النار. وحذرت من أن لبنان “قد يكون نموذجاً يُحتذى به في غزة، مما يمنح القوات الإسرائيلية المجال لتنفيذ هجمات كلما رأت تهديداً دون استئناف كامل للصراع”.
بين غزة ولبنان
يُسلّط روني شطح، المحلل السياسي المقيم في بيروت، الضوء على عدة اختلافات بين لبنان وغزة. فبينما تعهدت إسرائيل بالقضاء على حماس عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تصدر مثل هذا التهديد في وجه حزب الله. ويرى شطح أن خطة السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والمُبرمة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بين إسرائيل وحماس، تختلف عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله: “الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله على وقف إطلاق النار في أواخر 2024 يُعزز آلية إنفاذ قرار مجلس الأمن 1701″، كما قال شطح.
في عام 2006، انتهت حرب استمرت شهراً بين حزب الله وإسرائيل بقبول قرار الأمم المتحدة رقم 1701. نص القرار على نشر قوات لبنانية وقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، وانسحاب القوات الإسرائيلية وحزب الله من نفس المنطقة، ونزع سلاح حزب الله. ولكن حزب الله لم ينسحب شمالًا إلى ما وراء نهر الليطاني، ولم يتخلَّ عن سلاحه. بل تضاعف تسليح حزب الله وعدد مقاتليه المدربين في السنوات التي تلت ذلك، بدعم من إيران.
في أعقاب الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعدت التوترات أكثر عندما بدأ حزب الله باستهداف إسرائيل في محاولة لدعم غزة، فيما أطلق عليها “حرب الإسناد”، ما اضطر حوالي 60 ألف إسرائيلي إلى إخلاء المنطقة، بالإضافة إلى حوالي 110 آلاف لبناني على الجانب الشمالي من الحدود.
سِلم أقل وحرب أكثر
بالنظر لعدم اهتمام إيران بتشجيع نزع السلاح الكامل لما كان في الماضي أهم أذرعها خارج حدودها، ودعم الولايات المتحدة للأعمال العسكرية الإسرائيلية، يعتقد روني شطح، المحلل السياسي المقيم في بيروت، أن فرص استعادة الحكومة اللبنانية احتكارها للأسلحة والسيطرة الكاملة على كامل أراضيها في وقت قريب محدودة. بدلًا من ذلك، يخشى شطح أن تصبح عمليات الاستهداف بقصد القتل، والضربات الصاروخية على البنية التحتية لحزب الله، وسقوط المزيد من القتلى المدنيين، وأزيز الطائرات المسيرة المستمر، هي عنوان المرحلة في لبنان لبعض الوقت.
ومن بيروت، تقول مريم فنيش، البالغة من العمر 25 عاماً، لـ DW: “بصراحة، من الصعب الشعور بالأمان أو الاطمئنان مع تحليق طائرات إسرائيلية مسيرة باستمرار على ارتفاع منخفض وإصدارها ضجيجاً عالياً يبعث على القلق”. وأضافت أنها تشعر بالقلق والخوف من تصاعد الوضع إلى حرب مجدداً.
وبالمثل، لا يبدي رغيد عودة، البالغ من العمر 23 عاماً، تفاؤلاً بشأن صمود وقف إطلاق النار. وقال لـ DW: “حزب الله لا يكترث بالسكان أو الخسائر البشرية، ويعرقل أي اتفاق يتضمن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية”.
أعده للعربية: خالد سلامة
تحرير: يوسف بوفيجلين
Source link



