مقاومة و”برغماتية متأخرة”.. إيران على مفترق طرق – DW – 2025/10/19

“إسرائيل ليست مهتمة بتصعيد التوترات مع طهران“، هكذا صرح فلاديمير بوتين في 9 أكتوبر/ تشرين الأول في طاجيكستان لوكالة الأنباء الروسية تاس. مضيفا أن روسيا تحافظ على “علاقات ثقة مع إسرائيل” وتتلقى إشارات “بأن إسرائيل ليست مهتمة بأي مواجهة”. وأضاف بوتين أن طهران أيضا تريد “العمل من أجل السلام”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن إيران “لا يجوز لها امتلاك أسلحة نووية”.
ويقول أرمان محمديان، الخبير في الشؤون الدولية إن “مسألة ما إذا كانت رسالة إسرائيل صادقة أم خدعة استراتيجية أم جزء من المصالح الروسية الخاصة، فهذا لا يزال مفتوحا”. وأضاف محمديان أن “وسائل الإعلام الإيرانية أفادت بأن إيران اشترت طائرات مقاتلة روسية من طراز سوخوي سو35. وإذا قامت روسيا بالفعل بتسليم هذه الطائرات فسيكون ذلك بمثابة إشارة دعم لطهران على الرغم من الحرب في أوكرانيا”.
وأضاف الأستاذ في جامعة جنوب فلوريدا: “من المحتمل أن نتنياهو يحاول إقناع موسكو بعدم تسليم الطائرات المقاتلة، ولذلك أعلن أنه لا يريد مهاجمة ايران. لا أعرف ما إذا كان نتنياهو يريد أن يلعب مع بوتين ألعابا تكتيكية. يعرف الاثنان بعضهما البعض منذ سنوات، ويؤكد بيبي (نتنياهو) بنفسه في مذكراته أنه يجب أن يكون المرء صريحا دائما مع بوتين”.
حرب كشفت نقاط الضعف
كشفت الحرب التي استمرت 12 يوما في يونيو/حزيران الماضي نقاط ضعف سلاح الجو الإيراني عندما شنت إسرائيل هجمات جوية على العديد من الأهداف في إيران. وانضمت الولايات المتحدة إلى الحرب وقصفت منشآت نووية إيرانية. وصرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي أن الهجمات الإسرائيلية والأمريكية كانت “خطوات مهمة على طريق التوصل إلى اتفاق في قطاع غزة”.
تعتبر إسرائيل البرنامج النووي الإيراني تهديدا وجوديا. ولا تعترف القيادة الإيرانية بإسرائيل وتهدد بانتظام بتدميرها.
ودعا ترامب إيران إلى تغيير مسار سياستها الخارجية وقال في الكنيست: “ليس هناك ما هو أفضل للمنطقة من أن تنبذ إيران الإرهابيين وتعترف بحق إسرائيل في الوجود”. وأعلن لاحقا في مصر أنه سيرفع العقوبات إذا كانت طهران مستعدة للتفاوض. وقد دُعيت إيران إلى الاجتماع في شرم الشيخ لكنها لم تحضر.
حالة مزمنة من عدم القدرة على اتخاذ القرارات
يرى خبير إيران والاتصالات موجتبا نجفي، المقيم في باريس أن هذا يعبر عن نظام “فقد قدرته على اتخاذ القرارات”. فهو يواجه أزمات معقدة ويظل عاجزا عن تجاوز الحواجز الأيديولوجية التي تعوق الدبلوماسية.
وفي حواره مع DW تحدث نجفي عن “براغماتية متأخرة” : فمنذ تأسيسها في عام 1979 لا تلجأ الجمهورية الإسلامية إلى نهج أكثر عقلانية إلا عندما يكون الوقت قد فات.
كما انتقدت وسائل الإعلام الإيرانية هذا القرار. وذكّر المعلقون بأن إيران نفسها تفاوضت مع صدام حسين الذي هاجم إيران في عام 1980، مما أدى إلى اندلاع حرب دامت ثماني سنوات وأسفرت عن مقتل أكثر من مليون شخص.
ورد المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل باغائي في 14 أكتوبر/ تشرين الأول بقوله: “اللعب على الساحة الدولية لا يقتصر على التواجد المادي”. مضيفا أن “إنهاء حرب غزة هو أولوية قصوى بالنسبة لإيران والطريق الدبلوماسي لا يزال مفتوحا”.
“وقف إطلاق النار في غزة له مزايا وعيوب بالنسبة لإيران”، يقول أرمان محمديان. ويضيف أن “الميزة هي أن القضية التي أدت إلى تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل وهي الوضع في فلسطين وقطاع غزة قد أُزيلت من على الطاولة في الوقت الحالي. من ناحية أخرى إذا أدى ما يُسمى بنموذج غزة إلى نزع سلاح حماس فقد يتم تطبيقه أيضا على حزب الله في لبنان من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم من الدول العربية”.
محور مقاومة معطل؟
ينتمي حزب الله الشيعي في لبنان إلى “محور المقاومة” المدعوم من إيران وهو شبكة من الميليشيات في المنطقة نشأت ردا على مصطلح “محور الشر” الذي صاغه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش.
تعتبر القيادة في طهران نفسها جوهر “المقاومة الحقيقية للإمبريالية والاحتلال”. لكن ما يسمى بـ “محور المقاومة” لم يكلف إيران مئات المليارات من الدولارات فحسب، بل عزلها دوليا أيضا.
بعد الاغتيال الممنهج لعدة شخصيات رئيسية من بينها الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وزعيم حزب الله حسن نصر الله وأخيرا سقوط بشار الأسد في سوريا عام 2024 انهارت هذه الشبكة تقريبا.
“سوريا ضاعت. هنية قُتل في طهران. حزب الله تم القضاء عليه. في ظل هذه الظروف هل لا يزال بإمكاننا التحدث عن النصر والردع؟” يتسائل الخبير الدفاعي مهدي موتاهارنيا، الأستاذ السابق في جامعة سيد شيرازي في مقابلة مع منصة أزاد في طهران في بداية العام. ويجيب: “هذه الاستراتيجية لم تعد ناجحة”.
هذه الانتقادات أصبحت الآن شائعة في إيران. فقد صرح رئيس لجنة الأمن القومي السابق في البرلمان، هشمات الله فلاحاتبيشه في 14 أكتوبر/ تشرين الأول على منصة “اكس” أن “85 % من الإيرانيين سيصوتون في استفتاء لإنهاء التوترات مع العالم. لقد خسرنا أكثر من 700 مليار دولار بسبب الصراع مع إسرائيل والغرب. كان تحويل الحرب العربية الإسرائيلية إلى حرب إيرانية إسرائيلية أكبر كذبة في تاريخ الجمهورية الإسلامية”.
الاستثمارات في سلاح الجو
أظهرت حرب الاثني عشر يوما عجز الميليشيات المدعومة من إيران عن منع اندلاع حرب مباشرة مع إيران. ويقول أرمان محمديان إن طهران أدركت أن هذه الميليشيات لم تلعب أي دور.
وحتى لو لم تتغير الإرادة السياسية فإن الظروف في المنطقة قد تغيرت. “حتى لو كان لدى إيران موارد مالية كافية فإنها لا تستطيع تقديم دعم عسكري في الوقت الحالي لأن سوريا لم تعد جسرا لطهران”.
لذلك ستحاول إيران تعزيز قدراتها العسكرية في البلاد ولا سيما سلاحها الجوي بطائرات مقاتلة حديثة من الصين أو روسيا. ومن المرجح أن يشمل ذلك صواريخ ذات مدى أطول من شأنها أن يكون لها تأثير رادع.
” ومع ذلك من الصعب التنبؤ بالقرارات السياسية التي ستتخذها طهران فيما يتعلق بعرض ترامب للتفاوض”، يقول الخبير في الشؤون الدولية. “أهم وسيلة ضغط في المفاوضات المحتملة تظل حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة الذي لا يعرف الغرب حتى الآن مكانه بالضبط”.
أعده للعربية: م.أ.م
Source link