جبريل ابراهيم : ما يجري في السودان حرب كونية

في تصريحات مثيرة للقلق، كشف وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم عن تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث أشار إلى أن السكان باتوا يلجأون إلى تناول الجلود بعد نفاد المواد الغذائية الأساسية، بما فيها الأمباز. وأكد أن الحصار المفروض لا يقتصر على الفاشر وحدها، بل يمتد إلى مدن أخرى مثل كادقلي والدلنج وبابنوسة، ما يعكس اتساع نطاق الأزمة الإنسانية في البلاد. هذه التصريحات جاءت في سياق حديثه أمام الجالية السودانية في روسيا، حيث سلط الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون في المناطق المحاصرة، وسط غياب الإمدادات الغذائية والطبية، وتفاقم التحديات الأمنية.
تقدم عسكري
جبريل إبراهيم أشار إلى أن الجيش السوداني تمكن من تحقيق تقدم ملموس على الأرض، بعد نجاحه في تحرير العاصمة وعدد من الولايات، وهو الآن يسعى إلى استعادة السيطرة على كامل البلاد، بما في ذلك الوصول إلى دارفور. هذا التقدم العسكري، بحسب الوزير، يمثل مرحلة جديدة في مسار المواجهة، ويعكس عزيمة القوات النظامية في استعادة المناطق التي تخضع لسيطرة المليشيات المسلحة. كما أكد أن العمليات العسكرية مستمرة بوتيرة متصاعدة، رغم التحديات اللوجستية والإنسانية التي تواجهها الحكومة في ظل الحصار المفروض على عدة مناطق.
حرب دولية
وفي سياق تحليله للأبعاد السياسية للصراع، وصف جبريل إبراهيم ما يجري في السودان بأنه “حرب كونية”، تتجاوز حدود المواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أو حتى التدخلات الإقليمية. وأوضح أن ما يحدث هو جزء من مشروع دولي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بدأ بالعراق واليمن وسوريا وليبيا، ويشمل الجزائر، وصولًا إلى تطويق مصر من مختلف الاتجاهات. هذه الرؤية تعكس قناعة الوزير بأن السودان بات في قلب صراع جيوسياسي واسع النطاق، تقوده قوى دولية تسعى إلى إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة، ما يتطلب بحسب تعبيره تمسكًا قويًا بالجبهة الداخلية لمواجهة التحديات.
اتهامات داخلية
الوزير لم يكتف بتوصيف الحرب كصراع خارجي، بل حمّل مجموعات داخلية مسؤولية التواطؤ مع القوى الأجنبية في محاولة لتدمير البلاد. وأكد أن جوهر الأزمة يكمن في وجود أطراف سودانية تعمل على تقويض الدولة من الداخل، بالتنسيق مع جهات خارجية. كما وجه انتقادات حادة إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، واصفًا إياه بأنه لا يملك أي خبرة في الحكم، بل مجرد أداة تُستخدم في سياق مشروع أكبر. وأضاف في تعبير مجازي أن “حميدتي مثل السمكة التي قفزت بعد أن شبعت، لتسقط في القيف”، في إشارة إلى فقدانه السيطرة بعد توسع نفوذه.
تدمير ممنهج
جبريل إبراهيم اتهم المليشيات المسلحة بمحاولة طمس تاريخ السودان وتدمير بنيته التحتية، مشيرًا إلى استهدافهم المتاحف والطرق والمؤسسات العامة. وأوضح أن الحرب الحالية مكلفة للغاية، وأن ميزانيات التمرد مفتوحة، حيث يتم استبدال الأسلحة المدمرة بأخرى جديدة بشكل مستمر، في وقت تواجه فيه الحكومة صعوبات كبيرة في الحصول على السلاح، حتى عندما يتوفر التمويل. وأضاف أن إيصال السلاح إلى داخل البلاد يواجه عقبات لوجستية معقدة، ما يزيد من تعقيد المشهد العسكري ويضع الحكومة أمام تحديات متزايدة في إدارة الصراع.
انهيار اقتصادي
وفي تقييمه للوضع الاقتصادي، أشار وزير المالية إلى أن الحرب كادت أن تتسبب في انهيار شامل، خاصة بعد فقدان الخرطوم التي كانت تمثل مصدر 80% من الإيرادات الحكومية. وأوضح أن الحكومة لجأت إلى مدينة مدني كمركز بديل، لكنها سقطت هي الأخرى، ما دفع السلطات إلى الاعتماد على بورتسودان. وذكر أن الإيرادات في الشهر الأول من بورتسودان بلغت 55 مليون جنيه، لكنها ارتفعت لاحقًا إلى أكثر من 900 مليار جنيه، إلا أن هذا الرقم لا يغطي الاحتياجات المتزايدة الناتجة عن النزوح وتكاليف الحرب، ما يعكس هشاشة الوضع المالي للدولة.
غياب الدعم
جبريل إبراهيم أكد أن السودان لم يتلقَ أي دعم مالي مباشر من أي جهة أو دولة، مشيرًا إلى أن بعض الدول ربما قدمت دعمًا عسكريًا للجيش، لكنه لا يمر عبر وزارة المالية. وأوضح أن تآكل العملة الوطنية أمر طبيعي في ظل ظروف الحرب، حيث يرتفع الطلب على العملات الأجنبية، ما يدفع الحكومة إلى الاستدانة من البنك المركزي. وأضاف أن الحكومة كانت تتوقع وصول سعر الدولار إلى عشرة آلاف جنيه مع بداية الحرب، لكن ذلك لم يحدث، معتبرًا أن الوضع المالي لا يزال تحت السيطرة رغم التحديات.
مشاريع استراتيجية
الوزير كشف عن رغبة الحكومة في توقيع اتفاقيات مع روسيا في مجالات الكهرباء والتوليد الحراري والمياه، مؤكدًا أن البنية التحتية تمثل أولوية في مرحلة إعادة البناء. وأشار إلى لقاءات أجرتها الحكومة مع عدد كبير من المسؤولين الروس، إلى جانب شركات ورجال أعمال، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتقني. كما أوضح أن الحكومة لا تزال تسعى للعودة إلى العاصمة، معتبرًا أن ذلك يمثل خطوة ضرورية في مسار استعادة الدولة ومؤسساتها، في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية المتفاقمة.
إنتاج زراعي
وفي مفارقة لافتة، أكد جبريل إبراهيم أن إنتاج السودان الزراعي خلال فترة الحرب كان أفضل من الفترات السابقة، مشيرًا إلى وجود فائض في إنتاج الذرة من ولاية القضارف ومناطق أخرى. هذا التحسن في القطاع الزراعي، بحسب الوزير، يعكس قدرة بعض الولايات على الصمود وتوفير الغذاء رغم الظروف القاسية. كما شدد على أن الحكومة ترى أن الدعم السريع لم يعد له أي مستقبل في المشهد السياسي أو العسكري، نظرًا لما ارتكبه من انتهاكات بحق المواطنين، مؤكدًا أن الشعب السوداني غير مستعد لقبوله كجزء من مستقبل البلاد.
Source link