مجلس حقوق الإنسان يقر تمديد بعثة السودان: الأزمة لم تنتهِ بعد

تقرير: سليمان سري
أثار قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، القاضي بتمديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان لمدة عام إضافي، ردود فعل متباينة بين مؤيدين وناقدين. القرار الذي أُقر بأغلبية 24 صوتًا خلال جلسة ترأستها السفيرة السويسرية يور قلوبر، حمل الرقم A/HRC/60/L.18، ويأتي في سياق استمرار الحرب السودانية للعام الثالث على التوالي، وسط تصاعد الانتهاكات وتدهور الأوضاع الإنسانية. وبينما يرى البعض في التمديد خطوة ضرورية، يعتبره آخرون إجراءً روتينيًا لا يحمل جديدًا في الصلاحيات أو التأثير.
عوائق ميدانية
تواجه البعثة الدولية تحديات كبيرة في أداء مهامها، أبرزها عدم تعاون الأطراف المتنازعة، ومنعها من الوصول إلى مواقع الأحداث، والتضييق على عملها، ما يعرقل قدرتها على إجراء مقابلات مع الضحايا والشهود. في هذا السياق، يبرز دور الصحافة المستقلة والمجتمع المدني كجهات مساندة، حيث تُعد الصحافة مصدرًا موثوقًا للأدلة البصرية والمكتوبة، بينما يسهم المجتمع المدني في تسهيل الوصول إلى المعلومات والشهادات، وتوفير الدعم اللوجستي للبعثة.
قراءة تحليلية
الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان عمرو شعبان، اعتبر في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن التمديد لا يحمل تغييرات جوهرية مقارنة بالتفويض السابق الصادر في أكتوبر 2023، بل يتطابق معه في المهام والصلاحيات. لكنه أشار إلى أن أهمية التمديد تكمن في كونه اعترافًا دوليًا باستمرار حالة “الضرورة والخطورة” في السودان، مؤكدًا أن البعثة تضطلع بمسؤوليات تتعلق بالرصد والتوثيق وحفظ الأدلة، وهي مهام تزداد أهمية مع استمرار الحرب وتفاقم الانتهاكات.
أبعاد التمديد
شعبان أوضح أن التمديد يرتكز على ثلاثة أبعاد رئيسية: أولها استمرار جمع الأدلة والمعلومات بوصفها المرجعية الوحيدة ذات المصداقية أمام المجتمع الدولي. ثانيًا، قدرة البعثة على تقديم توصيات بشأن المساءلة بعد تحديد الطرف المنتهك، مشيرًا إلى أن جميع الأطراف ارتكبت انتهاكات جسيمة. أما البعد الثالث، فيتعلق بتصنيف طبيعة الجرائم المرتكبة، سواء كانت جرائم حرب أو ضد الإنسانية أو تطهيرًا عرقيًا، وهي مهام تقع ضمن اختصاص البعثة بناءً على الأدلة المتاحة.
جدل التقييم
يرى شعبان أن تمديد ولاية البعثة يحمل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن الأوضاع في السودان لا تزال تتسم بالخطورة، وأن التدهور الأمني والإنساني مستمر. لكنه أشار إلى تباين في تقييم القرار، فبينما يعتبره البعض مؤشرًا إيجابيًا على استمرار الاهتمام الدولي، يراه آخرون إجراءً رمزيًا لا يغير من الواقع شيئًا. وأوضح أن بطء عمل البعثة يعود إلى عدم تعاون الأطراف المسيطرة، سواء الحكومة في بورتسودان أو قوات الدعم السريع في دارفور، وهو ما يعيق عملها كما يحدث مع منظمات الإغاثة الإنسانية.
تحديات الوصول
شعبان شدد على ضرورة تقييم أداء البعثة في ظل الظروف التي تعمل فيها، مشيرًا إلى أن عدم القدرة على الوصول الميداني يعيق أيضًا عمل المنظمات الإنسانية. وأضاف أن عدم التعاون الحكومي يمثل عقبة إضافية، وأن نظرة السودانيين تجاه البعثة تتفاوت بحسب الانتماء السياسي، حيث يميل البعض إلى رفضها إذا أدانت الطرف الذي يؤيدونه، بينما يرحب بها آخرون إذا جاءت تقاريرها منسجمة مع مواقفهم.
ضرورة واقعية
رغم التباين في المواقف، أكد شعبان أن البعثة تُعد ضرورة واقعية في ظل غياب آلية وطنية مستقلة وموثوقة لتوثيق الانتهاكات. وأوضح أن تقاريرها تتمتع بشرعية دولية، وتُستخدم لاحقًا في المحاكمات الوطنية والدولية، مشددًا على أن وقف الانتهاكات مرهون بعدم الإفلات من العقاب. وأضاف أن وجود البعثة، رغم ما يعتريه من قصور، يظل ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في ظل غياب بدائل محلية فعالة.
دور الصحافة
وفي ما يتعلق بدور الإعلام، أكد شعبان أن الصحافة الحرة والمستقلة تلعب دورًا محوريًا في توثيق الانتهاكات، خاصة في المناطق التي يصعب على البعثة الوصول إليها. لكنه تساءل عن وجود صحافة حقيقية بعد ثلاث سنوات من الحرب، مشيرًا إلى انقسام الإعلام السوداني بين معسكرين مؤيدين لأطراف النزاع. واعتبر أن الصحافة أصبحت مرتبطة بسياسات الدول المالكة أو المستضيفة للمؤسسات الإعلامية، ما يؤثر على استقلاليتها ومهنيتها.
أزمة المهنية
شعبان شدد على أن الصحافة الحقيقية يجب أن ترفض الاصطفاف مع أطراف الحرب، وأن تظل في معسكر الدفاع عن قيم الثورة السودانية: الحرية والسلام والعدالة. وحذّر من أن انحياز الصحفي لأي طرف يعني انتقاله من مربع الثورة إلى مربع الحرب، ما يُعد انتكاسة للمشروع المدني الديمقراطي. وأوضح أن المخرج من هذا الوضع يتمثل في تأسيس منصات إعلامية مستقلة، بدعم من منظمات حرية الصحافة، أو تحويل الصحف الحزبية إلى صحف وطنية تُعنى بالشأن العام، وتفتح المجال لكتاب من خارج الانتماء السياسي الضيق.
جهود بديلة
أشار شعبان إلى أن منع الصحفي من العمل أو شطبه من المؤسسات الإعلامية يُعد خسارة كبيرة، لكنه أكد أن ما تم إنجازه حتى الآن يُمثل الحد الأدنى الممكن في ظل ظروف الحرب. من جانبه، وصف رئيس منظمة سدرة العالمية في هولندا، محمد جمال الدين حامد، مهمة البعثة الدولية بأنها “خطيرة وكبيرة”، لكنه انتقد بطء أدائها وضعف تأثيرها على الأرض، داعيًا إلى تفعيل دورها بشكل أكثر فاعلية.
تنسيق مطلوب
جمال الدين شدد على أهمية التنسيق بين الفاعلين المدنيين في الداخل والخارج لضمان فاعلية التوثيق، من خلال شراكة تقوم على الثقة المتبادلة. ودعا إلى توحيد منهجيات جمع الأدلة، وإنشاء منصات رقمية آمنة لتبادل المعلومات، بما يضمن سلامة الموثقين والضحايا. كما طالب بتحديد نقاط اتصال واضحة بين المجموعات المحلية والمنظمات الدولية، وتدريب الكوادر المحلية على آليات التوثيق الرقمي وإدارة البيانات الحساسة.
معايير أخلاقية
في ختام حديثه، أكد جمال الدين أن العمل المشترك يجب أن يستند إلى مبدأ “عدم الإضرار”، واحترام خصوصية الضحايا، وتمكينهم من سرد روايتهم بكرامة. وشدد على أن هذا النوع من التنسيق المتوازن يضمن دقة المعلومات، ويحافظ على مصداقية القضية السودانية أمام المجتمع الدولي، في ظل استمرار الانتهاكات وتفاقم الأزمة الإنسانية.
Source link