أخبار العالم

ألمانيا ـ الخدمة العسكرية تُربك حسابات الائتلاف الحكومي – DW – 2025/10/17

بالرغم من الخلاف المحتدم بين الكتل البرلمانية للتحالف الحاكم في برلين، فإن الحكومة الألمانية مُصرة على إقرار قانون الخدمة العسكرية الإجبارية الجديد في بحر العام الجاري (2025). ويتمثل الهدف في ضمان جاهزية الجيش الألماني من خلال زيادة عدد أفراده بشكل ملحوظ، فيما أكدت الحكومة أنها ليست متفاجئة من الجدل الذي يٌثيره التجنيد الإجباري سياسيا ومجتمعيا. وكان من المفترض أن يعرض الائتلاف الحكومي المكون من التكتل المسيحي (الحزب الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري من جهة والحزب الاشتراكي الديمقراطي من جهة أخرى)، مبادئ توجيهية للتوصل إلى اتفاق، تتضمن أيضًا إجراء قرعة لاختيار المجندين.

ويُعد استئناف تسجيل المجندين ومراقبة التجنيد جزءًا أساسيًا من مشروع القانون الجديد. وأكدت الحكومة أنه يجب في حالات الطوارئ معرفة من يمكن استدعاؤه للدفاع عن البلاد، وهذا لا يمكن أن يقتصر على استبيان فقط. وتسعى وزارة الدفاع إلى إجراء “فحص طبي شامل” بحلول منتصف عام 2027. وبهذا الصدد كتب موقع “تي أونلاين” الألماني (14 أكتوبر/ تشرين الأول 2025) منتقدا “مرة أخرى يُفكّك التكتل المسيحي اتفاقًا تم التوصل إليه بشق الأنفس سابقًا مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، فبعد فضيحة القضاة والجدل حول ضريبة الكهرباء ها هو الجدل حول الخدمة العسكرية: مرارًا وتكرارًا كان التكتل المسيحي يوافق أولًا على مشروع ما، ثم يُشكك فيه علنًا بعد ذلك. كانت هذه الحكومة قد وعدت ببناء الثقة، وخلق أجواء إيجابية، وسحب البساط من تحت أقدام  الشعبويين . لكن بمثل هذه المناورات تحقق العكس تمامًا”.

ارتباك الحكومة يصب في مصلحة بوتين؟

دعا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أمام البرلمان(بوندستاغ 16 أكتوبر)، إلى دعم مشروع قانون الخدمة العسكرية الجديد. وأعرب السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن استعداده لتقديم تنازلات. كما أعرب سياسيون آخرون من الائتلاف الحكومي عن استعدادهم للتوصل إلى حلول وسط، مؤكدين أن مناقشات البوندستاغ ستفضي إلى حل. خطة الوزير قوبلت بمقاومة خاصة من جانب التكتل المسيحي المشارك في الائتلاف الحكومي. وعلّق بيستوريوس قائلاً إن غياب “نقاش شغوف، مفتوح، وحتى محتدم” كان ليشكل خيبة أمل بالنسبة له. وأضاف “هذا الموضوع يستحق نقاشًا صريحًا وصادقًا لأنه يؤثر على حياة الكثير من الناس”. ويدور الجدل أساسًا حول الإجراءات التي يجب اتخاذها إذا لم يتقدم عدد كافٍ من المتطوعين للخدمة العسكرية، كما هو متوقع في القانون، وما إذا كان يجب إخضاع جميع الشباب الذكور للفحص الطبي (ضمن التجنيد الإجباري) من جديد. في المقابل، اقترح سياسيون مختصون من الاتحاد والحزب الاشتراكي الديمقراطي، إجراء قرعة لاختيار الشبان الذكور للفحص الطبي، وإذا لزم الأمر، تجنيدهم لاحقًا بشكل عشوائي إذا كانت أعداد المتطوعين غير كافية.

الحكومة الألمانية توافق على تعزيز التجنيد في الجيش

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

وبهذا الصدد علّقت صحيفة “نويه تسوريخر تسايتونغ” السويسرية الناطقة بالألمانية (16 أكتوبر) وكتبت “وعد المستشار فريدريش ميرتس عند توليه منصبه بأن يتصرف بحزم. لكن بعد بضعة أشهر لم يتبقَ الكثير من تلك الروح التي وعد بها. فالائتلاف الحكومي يذكّر، من حيث كثرة الخلافات، بأسوأ فترات ائتلاف اشاراة المرور (الحكومة السابقة). ويعدّ السجال غير اللائق بشأن الخدمة العسكرية مثالًا حيا على ذلك (..) ولماذا كل هذا؟ بعد مفاوضات شاقة، تم التوصّل بالكاد إلى حل وسط غير ناضج: نظام قرعة للخدمة العسكرية من أربع مراحل، ترك أسئلة أكثر مما أجاب عنها (..) بهذه الطريقة، لن يُرهب ذلك أي روسي. بل على العكس، من المرجح أن يشعر بوتين بأن استراتيجيته لزعزعة الاستقرار تؤتي ثمارها”.

الرئيس شتاينماير يشكك في نظام القرعة

من جهته، أعرب الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير عن تحفظه تجاه فكرة اختيار المجندين للخدمة العسكرية عبر نظام القرعة، وذلك بعدما فشلت مفاوضات الائتلاف بشكل مفاجئ في التوصل إلى اتفاق، مما أدى إلى إلغاء مؤتمر صحفي كان مقرراً، ودخول الطرفين المشاورات البرلمانية دون خطة موحدة. الرئيس وصف الخلاف بأنه “فشل تواصلي”، وأعرب عن أمله في أن يتم حلّه قريبًا. وأشار إلى أن استخدام القرعة قد يثير تساؤلات دستورية، حيث أن عليه التحقق من دستورية القانون قبل التوقيع عليه. شتاينماير جدد دعوته لفرض خدمة إلزامية على الجميع، رجالاً ونساء، مع إعطاء خيار بين الخدمة العسكرية أو الاجتماعية. لكنه رفض مقترحًا بضم كبار السن إلى الخدمة الاجتماعية، محذرًا من إشعال صراع بين الأجيال.

صحيفة “دير شتاندارد” النمساوية (16 أكتوبر) كتبت معلقة “اليانصيب مناسبة للمهرجانات الشعبية، حيث يمكن الفوز بعطلة استجمامية أو برميل بيرة. لكنه لا يليق بتجنيد شباب قد يُطلب منهم الدفاع عن ألمانيا في حالات الطوارئ وقد يضحّون بحياتهم. على أي حال، لن يتحقق شيء من ذلك. الاتحاد والحزب الاشتراكي الديمقراطي اختلفا مجددًا. إنهم يلاحقون فكرة تلو الأخرى في برلين دون أن يجدوا حلًا، مما يعطي مرة أخرى صورة سيئة. مع أن المستشار فريدريش ميرتس يريد جعل الجيش الألماني الأقوى في أوروبا. لكن الطموح والواقع متباعدان بشدة في الوقت الراهن”.

تأييد شعبي وارتباك حكومي

كشفت نتائج استطلاع حديث تأييد غالبية الألمان لإعادة تطبيق التجنيد الإجباري في البلاد. الاستطلاع أجراه معهد “فورزا” لصالح مجلة “شتيرن” وقناة “آر تي إل” الألمانيتين (14 أكتوبر). وأظهر أن 54% أعربوا عن تأييدهم لتطبيق الخدمة العسكرية الإجبارية مقابل 41% عارضوا ذلك، فيما لم يبد 5% من المشاركين رأيا في هذا الموضوع. وجاءت أكبر نسبة تأييد (74%) بين أنصار التكتل المسيحي. ووفقا للنتائج، أعرب 58% من ناخبي الحزب الاشتراكي عن اعتقادهم بنجاعة هذا الإجراء. وشمل الاستطلاع 1008 شخص.

وتتركز الخلافات حول كيفية التعامل مع احتمال عدم توافر عدد كاف من المتطوعين للالتحاق بالجيش. ولهذا السبب تم كان قد تم تأجيل مناقشة مشروع القانون لمدة أسبوع. وخلال الجلسة الأولى لمناقشة المشروع في البرلمان (16 أكتوبر)، كرر وزير الدفاع الألماني دعوته لإخضاع جميع مواليد سنة معينة للفحص العسكري، لكنه أبدى انفتاحا على مقترحات أخرى قائلا:”أرى أن ذلك مقبول، وأنا منفتح على ذلك – فالإجراء البرلماني مصمم بالضبط لمناقشة مثل هذه القضايا”.

يذكر أن التجنيد الإجباري في ألمانيا تم تعليقه في يوليو/تموز عام 2011، وهو ما كان في الواقع بمثابة إلغاء فعلي للخدمة العسكرية والمدنية الإلزامية.

وبهذا الشأن كتبت صحيفة “زودفيست بريسه” الألمانية (14 أكتوبر) كتبت معلقة “بدلًا من عقد مؤتمر صحفي مشترك للإعلان عن التوصل إلى اتفاق، تم إلغاء الحدث في اللحظة الأخيرة (تأجيل مناقشة مشروع القانون). الأضرار قد وقعت بالفعل، داخل الائتلاف، وبين الشباب، وحتى على صعيد القضية نفسها. فالموضوع، وللتذكير، يتعلق ظاهريًا بقدرة البلاد على الدفاع عن نفسها، وبأمن البلاد. جيل الشباب، الذي كانت الحكومة تحاول بشق الأنفس، وبالمال، وبالكثير من الإقناع كسبه لصالح القوات المسلحة، فقد على الأرجح ثقته. فكيف يمكن للائتلاف الحكومي أن يُقنع الآخرين، إذا لم يكن أفراده مقتنعين بأنفسهم أصلًا؟ بالنسبة للائتلاف ذاته، فإن هذه الانتكاسة تُعدّ ضربة قاسية، خاصة بعد كل وعود الولاء والاجتماعات الجماعية التي شهدناها في الأسابيع الماضية. تعود إلى الأذهان ذكريات فشل انتخاب القاضية (للمحكمة الدستورية الاتحادية) قبل عطلة الصيف”.

معارضة الشباب لفرض الخدمة العسكرية

يزداد احتجاج الشباب على إمكانية فرض الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الألماني (بوندسفير). وقد عبّر تحالف يضم منظمات شبابية تابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، وحزب اليسار، بالإضافة إلى اتحادات طلابية وأقسام الشباب في النقابات والجمعيات البيئية، في بيان (16 أكتوبر) عن رفضه القاطع لأي شكل من أشكال الخدمة الإلزامية. وجاء في البيان “بالنسبة لنا، من الواضح أننا نرفض إجبار الناس على حمل السلاح”. في الوقت ذاته، طالب شباب أمام مبنى البرلمان في برلين بحقهم في المشاركة في صياغة القانون. ومن خلال عرض فني أدّوه بأفواه مغطاة، عبّروا عن شعورهم بأن صوتهم غير مسموع بما يكفي في ما يتعلق بشكل الخدمة العسكرية الجديدة. ونُظمت الفعالية من قِبل مبادرة “الصوت الديمقراطي للشباب”. وانتقد مؤتمر طلاب المدارس الاتحادي موقف أحزاب الائتلاف. وقال الأمين العام للمؤتمر، كوينتن غارتنر، لـ”شبكة التحرير الألمانية” (16 أكتوبر) “لا يجب التلاعب بمستقبل الشباب، حالة عدم اليقين المستمرة لا تؤدي بالتأكيد إلى زيادة القبول بين الشباب”.

كما شاركت رئيسة مجلس الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا (EKD)، كيرستن فهرس، الجدل الحالي، مشيرة إلى أن الكثير من الشباب يشعرون بالقلق بشأن “ما الذي قد يعنيه تنظيم الخدمة العسكرية الجديد بالنسبة لهم شخصيًا”. وأشارت أيضًا إلى أن كثيرين على استعداد للمشاركة في خدمات اجتماعية تطوعية. وقالت “قانون حكيم يجب أن يأخذ الأمرين على محمل الجد: قلقهم واستعدادهم للمشاركة. لذلك، ينبغي التفكير في الخدمة العسكرية وخدمة السلام معًا.” صحيفة “نورنبيرغه تسايتونغ” الألمانية (16 أكتوبر) كتبت معلقة “في الجدل الدائر حاليًا، يتم التركيز على الجوانب السلبية المرتبطة بالخدمة العسكرية، في حين يتم تجاهل الفوائد غير المادية في كثير من الأحيان. مع أن القوة تعني أيضًا التماسك المجتمعي. وبالذات بسبب مبدأ المساواة في التجنيد، تُعد الخدمة العسكرية أو المدنية فرصة لتجاوز الحواجز الاجتماعية. (..) ولا ينبغي أن نغفل عن التدريب الأساسي، مع التأكيد على أهمية “التعليم”، حيث يمكن للضباط المُدَرِّسين أن يعالجوا، إن صح التعبير بلطف، أوجه القصور الموجودة أحيانًا في فهم القيم الغربية.

تحرير: عبده جميل المخلافي


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى