أخبار العالم

“دعم ألمانيا لإسرائيل ثابت لكنه يشمل السعي إلى حلول سياسية” – DW – 2025/10/7

تتحمل ألمانيا مسؤولية خاصة نابعة من تاريخها تجاه الشعب اليهودي ودولة إسرائيل. ومَنْ يعرف فظائع المحرقة، وتفاصيل القتل الجماعي المنظم صناعيًا لأكثر من ستة ملايين يهودي، سيفهم أيضًا التزامنا الألماني بحق إسرائيل في الوجود. ولكن هذه المسؤولية تشمل أيضًا تفهم الدفاع عن الأمن والكرامة والعدالة لجميع الناس – في الشرق الأوسط للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

أمن إسرائيل مصلحة عليا للدولة الألمانية

وعلى خلفية هجوم حماس الإرهابي الوحشي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تظهر ألمانيا تضامنها بشكل لا لبس فيه مع إسرائيل. وبعد الهجوم مباشرة سافر المستشار الألماني أولاف شولتس وغيره من كبار السياسيين الألمان إلى تل أبيب من أجل مؤازرة الناس بشكل شخصي في إسرائيل.

وهذا الفهم الذاتي متجذر بعمق في السياسة الألمانية كعنصر من عناصر مبدأ المصلحة العليا للدولة. وفي الوقت نفسه، قال المستشار آنذاك إنَّ “الفلسطينيين ليسوا حماس”. وهذه الكلمات تُشكّل أيضًا سياسات المستشار فريدريش ميرتس؛ وتبيّن أنَّ ألمانيا تدعم مكافحة الإرهاب – من دون أن تنسى حقوق الشعب الفلسطيني.

والمصلحة العليا للدولة الألمانية لا تعني مصلحة حكومية غير مشروطة، فبين الأصدقاء والشركاء يتم أيضًا توجيه انتقادات ويكون الحديث بصراحة. الحكومة الألمانية تقف بحزم وثبات إلى جانب إسرائيل، ولكنها تطالب في الوقت نفسه باحترام للقانون الدولي، وحماية المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية للناس في غزة. ودعم ألمانيا للشعب الإسرائيلي ثابت لا يتغيّر – ولكنه يشمل بصراحة التعاطف والسعي إلى حلول سياسية.

ألمانيا، برلين 2025 - مظاهرة "كل العيون على غزة"
مظاهرة في برلين بعنوان “كل العيون على غزة” مع أضواء بالجوالاتصورة من: Christian Mang/REUTERS

حرية التعبير – حتى في الأوقات الصعبة

بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ نقاش حول حق التعبير عن الرأي – في عدة دول أوروبية، وكذلك في ألمانيا. وخوفًا من حدوث أعمال عنف وشغب معادية للسامية، قُيدت بعض المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين أو تم حظرها أو منعها تمامًا. وبررت وزارة الداخلية الألمانية هذه الإجراءات بحماية الأمن العام، وذلك نظرًا إلى الكراهية العمياء ونوبات التدمير التي ظهرًا في الماضي القريب في جميع أنحاء أوروبا.

وفي ألمانيا تسري القاعدة التالية: العمل سلميًا من أجل حقوق الإنسان مسموح وواجب – طالما لا تلعب الكراهية والعنف أي دور. والخطاب الديمقراطي يحتاج – خاصة في أوقات الأزمات – إلى حساسية وتوازن. ولكن من يزرع الكراهية والتحريض، ومن يدعم إرهاب حماس، يجعل نفسه غير جدير بالثقة ويخرج من إطار الخطاب الديمقراطي.

موقف ألمانيا من حل الدولتين

ألمانيا ما تزال ملتزمة التزامًا واضحًا بحل الدولتين – دولة إسرائيل ودولة فلسطينية تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن. ولكن برلين ترى حاليًا أنَّ الاعتراف الرسمي بفلسطين سابق لأوانه. وذلك لأنَّ الحكومة الألمانية تريد منع الخطوات الرمزية من تعقيد عملية السلام بدلًا من تعزيزها.

كارستن أوفينز هو الرئيس التنفيذي لشبكة القيادة الأوروبية (ELNET)، وهو مسؤول عن أنشطتها في ألمانيا والنمسا وسويسرا.
أوفينز: عندما يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون يومًا ما جنبًا إلى جنب – في أمان وكرامة واحترام متبادل – فسيكون ذلك أيضًا نجاحًا للمجتمع الدولي الذي يؤمن بالتفاهم ويقف متحدًا ضد الإرهاب.صورة من: ELNET/Anika Nowak

ومع ذلك فإنَّ هذا لا يعني رفض القضية الفلسطينية. بل على العكس: فألمانيا تعتبر منذ سنين من أكبر الداعمين الماليين للفلسطينيين في العالم. وبرلين تقدم مساعدات إنسانية واسعة النطاق، وتدعم البرامج التعليمية والدراسات الأكاديمية، والرعاية الصحية، وكذلك تطوير البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية. وخلال الأزمة الأخيرة، ضاعفت ألمانيا مساعداتها للناس في غزة حتى ثلاثة أضعاف. والهدف واضح هو: خلق آفاق من أجل مستقبل من دون إرهاب وخوف وبؤس.

الحوار مع العالم العربي

بعض الجهات تتهم برلين بالاستماع قليلًا جدًا للأصوات العربية والفلسطينية. وهذا التصور لا يعكس الواقع. لأنَّ ألمانيا تقيم منذ عقود علاقات وثيقة مع الدول العربية، واستقبلت وكذلك دعمت ملايين اللاجئين، وعملت من أجل التنمية السلمية – وخاصة من أجل الفلسطينيين أيضًا.

ووفقًا لذلك يجب على الحكومة الألمانية تكثيف الحوار مع العالم العربي – مع السياسة والإعلام والمجتمع المدني. والاتفاقيات الإبراهيمية (اتفاقيات إبراهام) تظهر أنَّ التعاون بين إسرائيل ودول عربية ممكن. ويجب هنا على ألمانيا وأوروبا المشاركة بشكل مكثف أكثر، مثلًا من أجل دمج السلطة الوطنية الفلسطينية.

قطاع غزة، مدينة غزة 2025 - نازحون في مخيم مؤقت على شاطئ البحر
فلسطينيون نازحون في قطاع غزة داخل خيم مؤقتة مقامة على شاطئ البحرصورة من: Hassan Jedi/Anadolu Agency/IMAGO

وتوجد برامج مثل منتدى أوروبا والشرق الأوسط التابع لشبكة القيادة الأوروبية (ELNET) تجمع إسرائيليين وفلسطينيين وعربًا وأوروبيين على طاولة واحدة، لتعزيز التبادل وبناء الثقة وتشجيع التعاون – في العام الماضي في برلين وفي أيلول/ سبتمبر هذا العام في أبو ظبي.

وكذلك تظهر آفاق مستقبلية جديدة في العالم الإسلامي أيضًا: فعندما أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو في الأمم المتحدة أنَّ أمن إسرائيل يجب ضمانه من أجل تحقيق السلام – ووعد بالاعتراف بإسرائيل بمجرد اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية – كان ذلك إشارة جديرة بالملاحظة. فقد ظهرت هنا طريقة تفكير جديدة: الأمن والعدالة ليسا نقيضين، بل وجهان لعملة واحدة.

ألمانيا تحد من تصدير السلاح لإسرائيل

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

دور ألمانيا في بناء الجسور

ألمانيا لديها فرصة – ومسؤولية – بناء جسور: بين إسرائيل والدول العربية، وبين الحكومات والمجتمعات المدنية. وبالصبر والتعاطف والموقف الواضح والعزيمة السياسية، يمكن لألمانيا أن تكون الشريك الذي يثق به الجانبان.

المبادرة الأخيرة المقدمة من الإدارة الأمريكية تتيح فرصة ملحّة بأسرع مايمكن لتحقيق عودة الرهائن المتبقين بعد مرور عامين على اختطافهم العنيف على يد مسلحي حركة حماس، وإنهاء  الحرب  والصراعات في الشرق الأوسط أخيرا.

السلام يمكن تحقيققه بشكل مشترك فقط. ومسؤولية ألمانيا التاريخية لا تمثل عائقًا بل دافعًا. وعندما يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون يومًا ما جنبًا إلى جنب – في أمان وكرامة واحترام متبادل – فسيكون ذلك أيضًا نجاحًا للمجتمع الدولي الذي يؤمن بالتفاهم ويقف متحدًا ضد الإرهاب.

 

 كارستن أوفينز: الرئيس التنفيذي لشبكة القيادة الأوروبية (ELNET)، وهو مسؤول عن أنشطتها في ألمانيا والنمسا وسويسرا.

أعده للعربية: رائد الباش

 


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى