اتفاق غزة .. هل تستعيد مصر دورها الإقليمي أم تكتفي بالوساطة؟ – DW – 2025/10/13

عاد الوهج إلى منتجع شرم الشيخ المصري مع وصول زعماء دوليين كبار، وانتظار وصول آخرين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للمشاركة في قمة اليوم الإثنين (13 أكتوبر/ تشرين الأول) تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، بعد التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس.
واستضاف المنتجع المصري مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس، فيما ستشهد شرم الشيخ، المعروفة بـ”مدينة السلام”، مراسم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، بمشاركة قادة من أكثر من 30 دولة من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس.
قراءة في دور القاهرة
توسطت قطر في اتفاق وقف إطلاق النار إلى جانب مصر والولايات المتحدة، كما انضمت تركيا إلى المفاوضات في وقت سابق من هذا الشهر في شرم الشيخ، والتي توجت بوقف إطلاق النار.
ويرى محمد خيّال، الصحفي المصري المتخصص في الشأن الفلسطيني، أنه “لا يمكن قراءة دور القاهرة من خلال ما أُعلن مؤخرا في شرم الشيخ فقط”.
وأضاف في مقابلة مع DW عربية من القاهرة أنه “يجب النظر إلى هذا الدور بشكل أوسع خلال العامين الماضيين، حيث لعبت مصر أدوارا متعددة وبأشكال مختلفة”.
وتابع خيّال: “في بعض الأحيان، كانت مصر تحاول إدخال المساعدات قدر الإمكان، لكن الدور الأهم والأبرز يكمن في تمسك مصر برفض فكرة التهجير، وصمودها في هذا الموقف رغم ما كانت تواجهه من ضغوط وأزمات اقتصادية”.
ومن المقرر أن توقّع دول الوساطة وثيقة ضامنة للاتفاق في قمة شرم الشيخ، وفق ما أفاد مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس.
وقال الدبلوماسي، مشترطا عدم كشف هويته، إن “الموقعين سيكونون الضامنين هم الولايات المتحدة ومصر وقطر وربما تركيا”.
وعلى متن الطائرة الرئاسية، متجها إلى إسرائيل، أكد ترامب حصوله على “ضمانات” شفهية من الجانبين ومن لاعبين إقليميين رئيسيين بشأن المرحلة الأولى من الاتفاق، مشيرا إلى أنه لا يعتقد أن أحدا “يريد أن يخذله”.
وقد حظي ترامب، اليوم الإثنين، باستقبال الأبطال في الكنيست الإسرائيلي وألقى كلمة أمام النواب قبل توجهه إلى شرم الشيخ، أكد فيها أن وقف إطلاق النار الذي ساهم في التوصل إليه يشكل “فجرا تاريخيا لشرق أوسط جديد”.
“نجاح دبلوماسي”، ولكن؟
وعن مفاوضات شرم الشيخ، كتب ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”، أن مصر أدارتها بالشراكة مع قطر و تركيا والولايات المتحدة، بما “يتماشى مع سياستها الرامية إلى ضمان أن يكون حل النزاع جهدا جماعيا”.
وسوف يرأس قمة شرم الشيخ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.
ويعتقد تيموثي قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة، أنه “من وجهة النظر المصرية، فإن أحد أبرز مظاهر التقدم (في شرم الشيخ) هو استبعاد التهجير القسري لسكان غزة إلى مصر”.
وأضاف في مقابلة مع DW عربية أن “هذه النقطة لا تتوافق فقط مع ما كانت تطالب به القاهرة، بل تعكس أيضا نجاحا دبلوماسيا في دفع ترامب للتراجع عن اقتراحه السابق”.
وقال قلدس إن “مصر، في هذه المرحلة من الاتفاق، حققت بعض أهدافها الرئيسية، من حيث إثبات أهميتها كوسيط، وكحليف استراتيجي في تأمين هذا الاتفاق، وإظهار أن قربها من غزة وعلاقاتها مع حماس جعلتها فعالة ولا غنى عنها في المفاوضات”.
لكن قلدس يحذر من أن “كل هذا قد ينهار إذا انهار وقف إطلاق النار، وهو احتمال واقعي بالنظر إلى ما حدث في مارس”.
ورغم الحديث الكثير عن بنود اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الكثير من الأمور يمكن أن تسوء، حيث لم يتم الاتفاق بعد على خطوات أخرى في خطة ترامب المكونة من 20 نقطة، بما في ذلك خطوات حكم غزة والمصير النهائي لحركة حماس، التي تنصفها الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى منظمة إرهابية.
“مصر لم تغادر موقعها”
وفيما يتعلق بمستقبل الدور المصري، يشير محمد خيّال أن “القاهرة تدعو إلى حوار وطني فلسطيني شامل في القاهرة، لتوحيد الموقف الفلسطيني، ومن ثم التوافق حول القضايا الكبرى، خاصة مستقبل إدارة قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية بشكل عام”.
وأضاف في حديثه إلى DW عربية أنه “يمكن القول إن مصر أعادت ترسيم الخطوط مجددا فيما يخص دورها وأدوار بعض الأطراف الأخرى في الإقليم”.
وأشار تقرير “تشاتام هاوس” إلى أن “مصر اتخذت موقفا حازما بشأن مصالحها الأمنية الوطنية في المحادثات، واستبعدت تحمل مسؤولية غزة وحدها، إذ تُصر على أن الفلسطينيين هم من يتحملون المسؤولية في نهاية المطاف، بدعم دولي”.
وفي هذا السياق، يؤكد محمد قواص، الباحث السياسي المقيم في لندن، أن “الدور المصري أساسي في مصير قطاع غزة منذ عقود، وذلك بسبب الواقع الجغرافي واعتبار القاهرة القطاع جزءًا من أمن مصر الاستراتيجي”.
وأضاف في مقابلة مع DW عربية أن دور قطر وتركيا لم يكن في مراحل معينة من المفاوضات “إلا دورا تكميليا للدور المصري، لذا لا يمكن الحديث عن إعادة تموضع، لأن مصر لم تغادر موقعها أصلًا، ولا تستطيع أساسًا مغادرة موقعها الجيوستراتيجي المرتبط خصوصًا بغزة، وبالتالي بالقضية الفلسطينية الشاملة، بما في ذلك العلاقة مع السلطة الفلسطينية“.
وقال قواص إنه “لا ينبغي إغفال أن العديد من بنود خطة ترامب مستوحاة من الخطة المصرية التي قُدمت في مايو / أيار 2024، كما أن المراحل المقبلة من الخطة ستتم متابعتها من خلال غرفة عمليات في القاهرة”.
لكن خطوات مصر المستقبلية في غزة تتسم بـ “الحذر”، بحسب وصف ديفيد باتر في تقرير “تشاتام هاوس”، فقد كتب أن القاهرة “ستسعى للمشاركة، لكنها تواجه خطر اضطرارها إلى تحمل مسؤوليات أكبر مع تراجع اهتمام الأطراف الدولية”.
وأشار التقرير إلى أن مصر سوف تسعى إلى التأكيد على “تثبيت المسؤولية الدولية الجماعية عن أمن غزة”.
“تعزيز مكانة السيسي في واشنطن”
وقبل أيام من قمة شرم الشيخ، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا ستشارك في “بعثة” لمراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، يعتقد تيموثي قلدس أن المراحل المستقبلية في تنفيذ اتفاق غزة قد تساهم في تحسين علاقات مصر مع إسرائيل وقطر وتركيا. وأضاف: “يبدو أن هناك على الأقل بعض التحسن في العلاقات”، موضحا أن “موافقتهم على التعاون في هذا الأمر بالطريقة التي يخططون لها، أو التي نسمع الآن أنهم سيشكلون فيها معا جزءا رئيسيا من قوة الاستقرار الدولية التي يتم الحديث عنها، تعكس هذا التحسن”.
وتابع قلدس أن “استضافة السيسي للقمة مع ترامب ربما تعزز من مكانته في البيت الأبيض وفي واشنطن، وهذا بدوره يزيد من قدرته على الضغط لضمان تهدئة التوترات مع إسرائيل. وربما نشهد بعض التراجع في حدة التوترات بين الطرفين”.
وذكرت الرئاسة المصرية أن السيسي سوف يهدي دونالد ترامب قلادة النيل، أرفع الأوسمة المصرية “تقديرا لإسهاماته البارزة في دعم جهود السلام، ونزع فتيل النزاعات، وآخرها دوره المحوري في وقف الحرب في غزة”.
تحرير: صلاح شرارة