حقوقيون يطالبون بالتحقيق في وفاة مواطن قيد الاحتجاز ببورتسودان

في تطور أثار قلقاً واسعاً في الأوساط الحقوقية، وصف ناشطون قانونيون وفاة المواطن السوداني المعز أبوسوار الشيخ عووضة أثناء احتجازه داخل مقر الشرطة بمدينة بورتسودان بأنها تمثل انتهاكاً صارخاً لحق الحياة، وتكشف عن تغول واضح من قبل الأجهزة الأمنية على صلاحيات النيابة العامة. وطالب حقوقيون بإعادة فتح التحقيق في ملابسات الوفاة، التي وقعت في ظروف وصفت بأنها غير إنسانية، وسط تصاعد الشكاوى من حالات احتجاز تعسفي متكررة في ظل استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع واقترابها من عامها الثالث.
مطالب قانونية
في بيان رسمي، دعت مجموعة “محامو الطوارئ”، وهي هيئة حقوقية مستقلة، إلى مراجعة قرار الحفظ الصادر عن النيابة العامة بشأن القضية، وتمكين أسرة المعز ومحاميه من الاطلاع الكامل على نتائج لجنة التحقيق السابقة، وتسليمهم نسخة رسمية من القرار. وشددت المجموعة على ضرورة محاسبة جميع الأطراف المتورطة في احتجازه غير القانوني، أو في الإهمال الذي أدى إلى وفاته، مؤكدة أهمية ضمان استقلال النيابة العامة ومنع أي تدخل من الأجهزة الأمنية في عملها القضائي، بما يضمن احترام سيادة القانون.
وبحسب البيان، فإن المواطن المعز توفي داخل حراسة الشرطة في مدينة بورتسودان بتاريخ 12 أغسطس 2024، بعد أن قضى أحد عشر يوماً محتجزاً في ظروف غير إنسانية، رغم صدور قرار من وكيل النيابة بشطب التهم الموجهة إليه والإفراج عنه. وأوضحت المجموعة أن اعتقاله تم في الأول من أغسطس ضمن حملة أمنية قادتها الخلية الأمنية في المدينة، حيث تم توقيفه مع عدد من المواطنين بناءً على شكوى تقدم بها ضابط في الشرطة الأمنية برتبة ملازم.
إجراءات متجاوزة
عقب اعتقاله، تم وضع المعز في الحجز الانفرادي بمقر الشرطة الأمنية لمدة يوم كامل، قبل نقله إلى قسم شرطة بورتسودان وسط، حيث فُتحت ضده دعوى جنائية بموجب مواد تتعلق بالاحتيال والرشوة ومخالفة الموظف للقانون بقصد الإضرار، رغم أنه مدني ولا يشغل أي منصب رسمي. وفي السادس من أغسطس، أصدر وكيل النيابة قراراً بشطب الدعوى وإخلاء سبيله بناءً على طلب محاميه، إلا أن القرار لم يُنفذ، واستمرت الشرطة في احتجازه دون أي سند قانوني.
بعد صدور قرار النيابة، تقدم ضابط الشرطة الأمنية صاحب الشكوى باستئناف شخصي ضد القرار، رغم أن الشرطة الأمنية ليست جهة مختصة بالنظر في البلاغات الجنائية ضد المدنيين، وهو ما اعتبرته المجموعة الحقوقية تجاوزاً قانونياً واضحاً وتدخلاً غير مشروع في صلاحيات النيابة العامة. وفي وقت لاحق، وُجهت إلى المعز تهمة جديدة بموجب قانون الجوازات والهجرة تتعلق بالتزوير في تأشيرات السفر، وظل محتجزاً في ظروف قاسية، محرومًا من مياه الشرب والغذاء الكافي، رغم تدهور حالته الصحية وشكاواه المتكررة من الإعياء.
رفض الضمان
ورغم وجود ضامنين، رفضت النيابة الإفراج عن المعز بالضمان، وأصرت على شروط مشددة، رغم أن التهمة لا تُصنف ضمن الجرائم الخطيرة التي تستوجب الحبس الاحتياطي، ويجيز القانون الإفراج فيها بالضمان. وأكد البيان أن حالته الصحية تدهورت بشكل كبير، ورغم مخاطباته المتكررة لوكيل النيابة، لم تُتخذ أي إجراءات لنقله إلى المستشفى أو الإفراج عنه، واستمرت النيابة في تجديد حبسه دون إحالته إلى المحكمة، ما فاقم من حالته الصحية بشكل خطير.
في الساعات الأولى من صباح 12 أغسطس، دخل المعز في غيبوبة داخل الحراسة، وتم نقله إلى مستشفى بورتسودان التعليمي، حيث توفي عند الساعة الثانية ظهراً. وأشار التقرير الطبي إلى أنه وصل في حالة غيبوبة تامة بدرجة وعي (3 من 15)، وكشف الفحص عن نزيف في الرئتين وتضخم في القلب والكبد والكليتين، وهي مؤشرات اعتبرها الحقوقيون دليلاً على تعرضه لإهمال طبي جسيم وربما تعذيب أثناء فترة احتجازه، ما يثير تساؤلات جدية حول ظروف وفاته والمسؤولية القانونية المترتبة عليها.
تحقيق مغلق
عقب الوفاة، تقدمت أسرته ومحاموه بطلب رسمي إلى النائب العام لفتح تحقيق في ملابسات الوفاة داخل الحراسة، مستندين إلى ما شاب الإجراءات السابقة من مخالفات قانونية واضحة. وبناءً على ذلك، تم تشكيل لجنة تحقيق، إلا أنها خلصت إلى حفظ الإجراءات بدعوى عدم وجود مخالفة قانونية تستوجب المساءلة. ولم يتم إخطار محاميه أو ذويه بنتائج التحقيق، رغم مطالباتهم المتكررة بالحصول على نسخة من القرار، ما أثار شكوكاً حول شفافية الإجراءات ومصداقية نتائج التحقيق.
أكدت مجموعة “محامو الطوارئ” أن وفاة المواطن المعز تمثل انتهاكاً جسيماً لحق الحياة والكرامة الإنسانية، وتعكس تغولاً ممنهجاً من قبل الأجهزة الأمنية على سلطات النيابة العامة، وتواطؤاً في احتجاز المدنيين خارج إطار القانون، في خرق واضح لالتزامات السودان الدولية في مجال حقوق الإنسان. وشددت على أن استمرار الإفلات من العقاب في حالات الوفاة تحت الاحتجاز يقوض الثقة في منظومة العدالة، ويهدد ما تبقى من سيادة القانون، داعية الجهات الحقوقية الوطنية والدولية إلى متابعة القضية وضمان تحقيق العدالة وإنصاف أسرته.
اقرا ايضا\
Source link