توني بلير .. دور مثير للجدل في خطة السلام وإعادة إعمار غزة – DW – 2025/10/8

تربط بين بريطانيا العظمى والفلسطينيين ماضٍ خاص وكان ذلك قائما حتى قبل توني بلير. في عام 1922 حصلت لندن على تفويض من عصبة الأمم للانتداب على فلسطين. وقبل ذلك كان البريطانيون قد وعدوا في “إعلان بيلفور” بإنشاء “وطن” لليهود من جميع أنحاء العالم هناك. ونتيجة لذلك ازدادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وكذلك التوترات بين السكان اليهود والعرب.
عندما لم يعد البريطانيون قادرين على السيطرة على الصراع، أعادوا تفويض عصبة الأمم إلىالأمم المتحدة في عام 1947. واقترحت الأمم المتحدة بعد ذلك خطة التقسيم إلى دولة يهودية ودولة عربية. لكن السكان العرب شعروا بأنهم مغبونون بشكل كبير، ولذلك تم تأسيس الدولة اليهودية فقط في عام 1948: إسرائيل.
انتقادات لدور بلير القيادي
كل هذا حدث قبل وقت طويل من عهد توني بلير. ومع ذلك قد يتولى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق المولود عام 1953 مرة أخرى نوعا من التفويض الإداري في المنطقة، على الأقل إذا ما تمت تلبية رغبة دونالد ترامب. فقد قدم الرئيس الأمريكي خطة من 20 نقطة تهدف إلى إنهاء الحرب التي تدور رحاها منذ عامين في قطاع غزة.
بعد نزع سلاح حركة حماس الإرهابية سيتم إعادة إعمار قطاع غزة، وستتم إدارته خلال هذه الفترة الانتقالية من قبل حكومة من التكنوقراط تحت إشراف ومراقبة لجنة دولية تسمى “مجلس السلام”. ويريد ترامب أن يرأس بنفسه هذه اللجنة، لكن بلير قد يلعب دورا بارزا فيها وهو احتمال يلقى انتقادات شديدة ليس فقط في المنطقة.
وصرح السياسي الفلسطيني والناشط الحقوقي مصطفى البرغوثي لشبكة CNN مثلا أنه “من الأفضل أن يبقى في بلده ويسمح للفلسطينيين بحكم أنفسهم بدلا من إخضاعنا مرة أخرى للاستعمار”. وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز أكثر صراحة، بقولها “توني بلير؟ لا بحق الجحيم!” وأضافت على منصة X: “ابتعد عن فلسطين! هل نلتقي في لاهاي؟”
دور بلير المثير للجدل في حرب العراق
تشير ألبانيز إلى النقطة السوداء في سيرة توني بلير والتي لا تزال تؤثر على صورة الرجل البالغ من العمر 72 عاما في الشرق الأوسط حتى اليوم، اي دوره في حرب العراق عام 2003. قبل ذلك كان بلير سياسيا بريطانيا ناجحا وذو شعبية كبيرة للغاية. انتُخب لأول مرة عام 1997 وأصبح رئيس وزراء العمالي (حزب العمال) صاحب الفترة الأطول في هذا المنصب في تاريخ البلاد.
كما كان اتفاق الجمعة العظيمة الذي تفاوض عليه نقطة تحول حاسمة في الصراع الطويل الأمد في أيرلندا الشمالية. لكن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك أيد بشكل شبه غير مشروط “الحرب على الإرهاب” التي قادها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن آنذاك. وقد تعرض بسبب ذلك لانتقادات شديدة حتى أن المعارضة وصفته بـ”كلب بوش”.
بعد عامين شنّ مع بوش حرب العراق بحجة أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل ويجب إيقافه، وهو ادعاء تم دحضه لاحقا.
وبعد 13 عاما أصدرت لجنة التحقيق تشيلكوت في تقريرها حول دور بريطانيا في حرب العراق حكما قاسيا للغاية، يقول إنه كان يجب التشكيك في تقارير الاستخبارات حول أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي يمتلكها صدام، ولم يكن ينبغي شن الحرب. كما أن بلير أرسل الجنود إلى العراق دون إعدادهم بشكل جيد، ولم تكن لديه أي خطة لما بعد الحرب. واضطر بلير مرارا إلى الدفاع عن نفسه ضد اتهامات خصومه بأنه “مجرم حرب”، لكن تقرير تشيلكوت لم يصل إلى هذا الحد. ومع ذلك فإن اتهامات لجنة التحقيق تلقي بثقلها على السياسي العمالي.
بلير مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط
وظل توني بلير مع ذلك نشطا سياسيا في المنطقة. بعد يوم واحد فقط من استقالته من منصب رئيس الوزراء البريطاني في عام 2007 تم تعيينه مبعوثا خاصا للجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط.
وكانت اللجنة الرباعية تتألف من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وكان من المفترض أن تتوسط في النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن هنا أيضا تعرض بلير لانتقادات متزايدة، من بين أمور أخرى لأنه كان يضطلع في الوقت نفسه بالعديد من المصالح التجارية الخاصة في الشرق الأوسط. وشغل بلير هذا المنصب لمدة ثماني سنوات، لكنه لم يحقق أي تقدم جوهري.
واتهمه الفلسطينيون بأنه انحاز بشكل متزايد إلى إسرائيل. “نحن سعداء برحيله. كان يجب أن يرحل منذ زمن طويل”، هكذا علق المفاوض الفلسطيني آنذاك محمد شتية على استقالة بلير في عام 2015. “لم يفعل شيئا من أجل قضايا الفلسطينيين، بل استخدمته إسرائيل لتبرير سياسة الاحتلال والاستيطان”، هكذا اتهمه شتية.
مركز أبحاث بلير ودوره المثير للجدل
استمر توني بلير في نشاطه كرجل أعمال وأسس في عام 2016 “معهد توني بلير للتغيير العالمي”. وبذلك قدم في الماضي استشارات لعدد من الحكام المستبدين مثل رئيس رواندا بول كاغامي وولي عهد السعودية محمد بن سلمان.
وبالتعاون مع رجال أعمال إسرائيليين يقال إن موظفي المعهد شاركوا في وضع خطة لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، وهو ما ينفيه المعهد نفسه. وتضمنت هذه الخطة أيضا إنشاء “ريفييرا ترامب” ومنطقة صناعية تحمل اسم إيلون ماسك. في فبراير/ شباط 2025 نشر دونالد ترامب مقطع فيديو تم إنتاجه بواسطة الذكاء الاصطناعي يوضح هذه الرؤية، مما أثار غضبا كبيرا.
ومن المرجح ألا تلعب مثل هذه الأفكار دورا كبيرا بالنسبة لتوني بلير إذا ما تولى منصبه الجديد بالفعل. فقد اكتفى في بيان له بالقول إن خطة ترامب “الشجاعة والذكية” توفر “أفضل فرصة” لإنهاء الحرب في قطاع غزة. ولم يعلق توني بلير حتى الآن على ما إذا كان سيضطلع بدور في هذا الصدد.
أعده للعربية: م.أ.م
Source link