اقتصاد روسيا يترنح تحت العقوبات… وبوتين تحت الضغط – DW – 2025/10/5

حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصناع القرار السياسي في الكرملين باتوا يشعرون الآن بأعباء الحرب في أوكرانيا. ومن أجل السيطرة على العجز المتزايد في الميزانية، تخطط موسكو لزيادة الضرائب وتقليص النفقات.
ومن المقرر عرض مشروع ميزانية عام 2026 على البرلمان في 29 أيلول/ سبتمبر. ومن المتوقع بعد هذا الموعد إجراء تغييرات طفيفة فقط، لأنَّ بوتين سيكون قد وافق حتى ذلك على أهم المناصب.
وعلى العكس من وعد بوتين السابق بعدم زيادة الضرائب قبل عام 2030، فقد أعلنت الحكومة الروسية يوم الثلاثاء 25 أيلول/ سبتمبر عن زيادة ضريبة القيمة المضافة من 20 بالمائة إلى 22 بالمائة.
وتواجه الميزانية ضغوطات أيضًا من خلال انخفاض عائدات صادرات النفط. ولذلك من المتوقع أيضًا خفض النفقات التي لا تتعلق بالدفاع، بما فيها النفقات الاجتماعية.
ارتفاع عجز الميزانية
ارتفع العجز في ميزانية روسيا إلى نحو 4.2 تريليون روبل (42.7 مليار يورو). وهذا يعادل نحو 1.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل تقريبًا أربعة أضعاف الهدف الأصلي البالغ 0.5 بالمائة لعام 2025. وتتوقع وزارة المالية الروسية ارتفاع العجز إلى 5.7 تريليون روبل حتى نهاية العام.
وكذلك تتوقع خبيرة الاقتصاد الروسي في معهد كييف للاقتصاد إلينا ريباكوفا أن تحافظ موسكو – كما فعلت في الماضي – على نفقاتها العسكرية الرتفعة من خلال خفض النفقات في أماكن أخرى.
وفي حديثها مع DW قالت ريباكوفا إنَّ “العواقب ستكون هي نفسها كما كانت في عام 2014. روسيا تخفض نفقاتها في كل مكان، بينما ترتفع نفقاتها العسكرية. وتتم أكبر تخفيضات في مجالات التعليم والرعاية الصحية والنفقات الاجتماعية وحماية البيئة”.
وفي هذا الصد قال كريس ويفر، وهو محلل مالي في شركة “ماكرو-أدفايزوري” الاستشارية في موسكو، لـ DW إنَّ تخفيضات الميزانية كانت متوقعة منذ أن أشار بوتين إليها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي: “تم تقليص النفقات الحكومية بشكل مقصود في جميع المجالات غير الضرورية. وهذا يعني في جميع المجالات العسكرية غير الأساسية، وربما أيضًا المجالات الاجتماعية غير الأساسية”.
تأثير هجمات المسيّرات الأوكرانية
والاقتصاد الروسي منذ فترة طويلة عند مستوى الإنذار الأحمر. وهذه الحقيقة لم تغب أيضًا عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي نشر في 24 أيلول/ سبتمبر على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال أنَّ: “بوتين وروسيا يواجهان صعوبات اقتصادية عميقة، وهذا هو الوقت المناسب لأوكرانيا لتتحرك”.
وأشار ترامب أيضًا إلى أزمة الطاقة المستمرة في روسيا. فقد أدت هجمات المسيّرات الأوكرانية الناجحة على البنية التحتية الروسية الخاصة بالطاقة، مثل المصافي ومحطات التصدير، إلى نقص في مختلف أنواع الوقود، وارتفاع في الأسعار، وطوابير انتظار طويلة.
ومن أهم أسباب الصعوبات الاقتصادية العامة في روسيا انخفاض عائدات صادرات النفط والغاز. أدى ارتفاع أسعار النفط وظهور مشترين جدد في الصين والهند إلى زيادة الإيرادات في عام 2022. وحتى في عام 2023 ظلت الإيرادات مرتفعة على الرغم من العقوبات الغربية وتناقص اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية.
بيد أنَّ انخفاض أسعار النفط، وارتفاع قيمة الروبل، والهجمات على المصافي الروسية، وتأثيرات العقوبات، تضغط على أهم مصدر دخل لدى الكرملين. ومن المتوقع أن تنخفض في أيلول/ سبتمبر إيرادات الدولة من النفط والغاز بنسبة 23 بالمائة عن العام السابق وتكبح التوقعات الاقتصادية.
وفي حزيران/يوليو نما الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة 0.4 بالمائة فقط بالمقارنة مع العام السابق، وهذا يشير إلى تباطؤ اقتصادي. وتفترض التوقعات الرسمية لهذا العام نموًا بنسبة واحد بالمائة، وهذا أقل بكثير من التوقعات السابقة التي كانت 2.5 بالمائة. وفي العام الماضي، كانت معدلات التضخم المرتفعة تشير إلى حالة من فرط النشاط الاقتصادي، مدفوعة بالزيادات الضخمة في ميزانية الدفاع.
تضاعفت النفقات الدفاعية الروسية منذ عام 2021 أكثر من أربعة أضعاف. وبلغت في حزيران/ يونيو 2025 نحو 16 تريليون روبل.
ورسميًا تحدثت الحكومة الروسية حول “تباطؤ مُتحكم فيه”، بحسب كريس ويفر، الذي يضيف أنَّ: البنك المركزي الروسي زاد سعر الفائدة للحد من التضخم وخفض أسعار المستهلكين المتزايدة. وهذه بحسب وصفه استراتيجية كانت نجاحة إلى حد كبير.
تخفيضات في الميزانية
ومع ذلك تعتبر نفقات الميزانية “مرتفعة بشكل لا يمكن تحمل”، كما يقول ويفر. وإذا لم تحدث تخفيضات كبيرة في السنين القادمة – وحتى في النفقات العسكرية – فإنَّ “الرواية الرسمية حول استقرار روسيا، والأداء الاقتصادي الجيد، ومدى قلة تأثير [الحرب] على حياة الناس، ومدى عظمة كل شيء في روسيا” مهددة كلها بالانهيار.
“وهذا سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد”، كما يؤكد ويفر، المقتنع بأنَّ بوتين والكرملين منفتحان على فكرة إبرام اتفاقية سلام قريبًا بسبب الضغط الاقتصادي المتزايد.
ويقول إنَّ “أعباء الميزانية والحاجة للاستقرار عاملان مهمان يعززان الشعور بضرورة إنهاء هذه الحرب في أقرب وقت ممكن”.
بيد أنَّ خبيرة الاقتصاد الروسي ريباكوفا أقل تفاؤلًا. وتقول: “عندما غزوا أوكرانيا في عام 2022، كانوا على علم بالتكاليف الاقتصادية. وقد حسبوها واتخذوا القرار السياسي بأنَّها مقبولة”.
عقوبات ثانوية على عملاء النفط الروسي
ونظرًا إلى الصعوبات روسيا الاقتصادية، يتزايد الضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من أجل تشديد العقوبات الحالية بشكل أكبر من أجل المساعدة في إنجاح مفاوضات السلام.
وضمن هذا السياق دعا ترامب الأوروبيين مؤخرًا إلى بذل جهد أكبر للتوقف عن شراء الغاز الروسي تمامًا – وخاصةً الغاز الطبيعي المسال. وكذلك ما يزال النفط الروسي يصل إلى أوروبا، حتى وإن كان في شكل منتجات مكررة فقط.
وبالإضافة إلى ذلك تفكر الولايات المتحدة الأمريية بفرض عقوبات ثانوية على دول تشتري كميات كبيرة من النفط الروسي، مثل الهند والصين. وهذا قد يؤدي هذا إلى تفاقم مشاكل موسكو الاقتصادية بشكل واضح.
وتعتقدالخبيرة ريباكوفا أنَّ الوقت قد حان لزيادة الضغط على موسكو بمزيد من العقوبات، وذلك لأنَّ اقتصادها أصبح أضعف مما كان عليه منذ فترة طويلة. بيد أنَّها تشير أيضًا إلى الحكومات في فنزويلا وكوريا الشمالية وإيران، والتي ما تزال في السلطة على الرغم من العقوبات الشاملة والصعوبات الاقتصادية الناتجة عنها. ولذلك فإنَّ العقوبات وحدها لا يمكن أن تنقذ أوكرانيا.
وحول ذلك تقول ريباكوفا إنَّ “العقوبات يمكن أن تكون جزءًا من الحل، ولكنها ليست الحل الكامل”.
ومن جانبه كريس ويفر مقتنع بأنَّ العقوبات الثانوية يمكن تجبر روسيا سريعًا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويقول إذا فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات ثانوية على مشتري النفط الروسي، فستكون هذه خطوة مهمة. ويقول: “إذا انخفضت الإيرادات أكثر – لنقل – بنسبة 20 إلى 30 بالمائة، فلن تتمكن روسيا بعد ذلك من اعتماد ميزانية مستدامة، وستتغير الديناميكيات السياسية الداخلية بشكل كبير”.
أعده للعربية: رائد الباش
Source link